مسجد الصّفّاح…مسجد بناه جنديّ إيطاليّ بولاية الأغواط

مسجد الصفاح…مسجد بناه جندي إيطالي بولاية الأغواط
د.نصيرة غزالي جامعة الأغواط / الجزائر
يعدّ جامع الصفاح رمزا ومنارة تاريخية وشعلة تنير ولاية الأغواط بسبب طابعه المعماري المميز، وللجامع عدة تسميات فيعرف بالجامع الكبير لأنه أكبر جامع بالمدينة آنذاك، وسمي بجامع الصومعة لأنّه أول مسجد بالمدينة تقام له صومعة، أما تسميته بالصفاح فنسبة للصخرة الكبيرة (الصفيحة) التي شيد عليها، وقد تمّ بناؤه على انقاض مبنى الصفاح وهي دار الخليفة أحمد بن سالم.
ويقع مسجد الصفاح داخل نطاق القطاع المحفوظ لقصر الأغواط، تشرف عليه مديرية الثقافة من الناحية التقنية، أما من ناحية التسيير فهو تحت وصاية مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الأغواط، وهو مصنف حسب وزارة الثقافة بموجب القرار رقم: 12/371.
مساحة موقع المسجد
يتربع مسجد الصفاح على مساحة 1200م2، ويتميز بموقعه الاستراتيجي الذي بني في أعالي مدينة الأغواط حيث يمكن مشاهدته على بعد مئات الأمتار نظراً لعلوه، حيث يقع الجامع في الجهة الغربية من ولاية الأغواط القديمة بالقرب من المسجد العتيق على إحدى مرتقعات جبل تزقرارين، هذا الجبل الذي يقسم المدينة إلى شطرين الشمالي والجنوبي، وهو يوجد في نهاية محور هام هو شارع المقطع الظهراوي المسمى أول نوفمبر حاليا.
قصة بناء المسجد وتاريخه، والمشركون في تشييده
كانت بداية بنائه سنة 1865م، وتمّ الانتهاء من بنائه في شهر صفر 1293هجري الموافق لشهر مارس 1874م، حسب ما كتب على قطعة الجبس الموجودة في حنية القبة للصومعة الكبيرة، من طرف الجندي المهندس الفلكي الايطالي الأصل “جيا كومو موليناري” الذي أحضرته السلطات الفرنسية لبناء مباني متعددة، إلا أن المهندس أسرته عادات وتقاليد المنطقة المستمدة من سماحة الدين الإسلامي فاعتنق الإسلام وأصبح اسمه “سي أحمد”.
تذكر الروايات أن “موليناري” تكفيرا عن ذنوبه طلب من السلطات الاستعمارية تسليمه قطعة أرضية في أعالي مدينة الأغواط تطلّ على جميع الجهات لبناء كنيسة فكان له ذلك، وهناك رواية أخرى بلسان الشيخ كويسي مبروك رحمه الله أن السلطات الفرنسية منحت ترخيصا بناء المسجد لامتصاص غضب السكان بعد أن دمرت مسجدين في الولاية مسجد بن بوطة، ومسجد الشطيط، ومسجد حولته إلى كنيسة وهو مسجد الخليفة الموجود بزقاق الحجاج، ومسجد العتيق الذي جعلته اصطبلا للحيوانات.
لقد شارك في بناء المسجد بعض الصناع الماهرين مثل الحاج العيد ثليجي، وقد تكفل ببنائه أبناء الأغواط وبعض التبرعات التي جمعت من بعض الولايات.
عمارة المسجد خليط منسجم بين العمارة الغوطية والعمارة الإسلامية، مستوحاة من الطراز الغوطي المشتق من الكنائس الغوطية القديمة الأوروبية، الذي سبب نوعا من الجدل حول بنائه هل كان يقصد به بناء مسجد أو كنيسة؟ كما امتزجت عمارته بالطابع الإسلامي الحديث.
زهرة الرياح (زهرة الاتجاهات)
في وسط السطح توجد زهرة الرياح (زهرة الاتجاهات) رخامية مستديرة الشكل مثبت على قاعدة، نقش عليها اتجاهات ومسافات بعض المدن والقصور المحيطة والتي تبعد عن ولاية الأغواط والمحددة بالكيلومترات، إضافة إلى وجود رمز قد يرمز للمدينة القديمة وهو متشكل من رأس جمل، ونخلة، وأحد بروج المنطقة.
مكونات المسجد وملحقاته
تظهر الصور القديمة في عهد الاستعمار في فترة تشييده أن للجامع قبة لكن بعد ذلك اختفت القبة لأسباب مجهولة، ويتكون المسجد من قاعة صلاة مربعة الشكل بأبعاد 20م ×20م بها خمس بلاطات متقاطعة معقودة بأقواس منكسرة محمولة على أعمدة اسطوانية ضخمة بقطر 65 سم تتكون الواجهة الرئيسية من سلمين حجريين يفضيان إلى رواق معقود بخمس أقواس مدببة على جانبيها، وتم تسقيف المسجد باستعمال نظام قبوات الآجر المحمولة على عوارض حديدية، وهو محمول على اسطوانات مستديرة الشكل عددها ستة عشر، والأقواس التي تعلوها مدببة، وتوجد في الاتجاهين معا جهة جدار القبلة والجهة الموازية، للجامع نوافذ بشكل عقود مدببة، وذلك على كل الواجهات ماعدا جهة الدخول، وفي جدار القبلة يوجد المحراب الذي حفر بها، كما يوجد باب صغير في الجهة الغربية من هذا الجدار.
وللجامع مئذنتان وقُبة الصومعة كتب بها أسماء البنائين وتاريخ البناء، الأولى في جهة الغرب في رواق الدخول طولها 30م، بها سلالم حلزونية من الحجارة المهندمة تفضي إلى سطح الجامع وإلى قمة المنارة، وشكلها مربع كأغلب منارات المغرب العربي يعلوها الجوسق، أي الطابق العلوي للمنارة وشكلها مثمن الشكل، ولا توجد بها سلالم وشكلها الداخلي مستدير.
تتميز هذه مئذنة المسجد ببعض الزخارف التي تتواجد بواجهتها خاصة الواجهة الشمالية والجنوبية بما يسمى السراميك أو الزليج على شكل مثلث أخصر وأبيض، كما تتواجد بها ثلاثة أقواس ناتئة مصنوعة من الأجور المشوي.
أما الصومعة الثانية تتواجد في الجهة الشرقية يصل ارتفاعها إلى 17 م، وسطح المسجد يرتفع عن الأرضية بمقدار 9 أمتار، به منافذ للتهوئة على حواف السطح غرضها التقني عدم تعرض السطح للرطوبة وحمايته من الانهيار وهذا ما يميزه عن باقي المساجد.
تحد الجامع ساحتان واحدة في جهة القبلة ويصلى فيها في الليالي الساخنة وساحة من جهة الدخول ويصعد لها بواسطة درجات من الحجارة حيث يقابلنا المسجد وتوجد بهذه الساحة في الجهة الشرقية أقسام لتدريس القرآن، كتاتيب على مستوى الأرضية، بينما ينزل للطابق السفلي حيث قاعة للوضوء والاغتسال، ويصعد للمسجد بدرجات موجودة على اليمين واليسار تحفها درابيزان على شكل قلل، وبعد الصعود نجد باحة صغيرة نصفها شكل رواق حيث أبواب الجامع الثلاثة والنصف الآخر من الباحة غير مسقف، ويتكون هذا الرواق من خمسة أقواس مدببة محمولة على اسطوانات مستديرة.
وللمسجد ثلاثة مداخل مقتبسة من العمارة الغوطية، هذه الثلاثية موجودة في كلّ أركانه فنجد في المسجد ثلاثة أبواب وثلاثة نوافذ في كلّ ركن نجد ثلاثة مزهريات لدخول الشمس في الواجهة الرئيسية، أما عن الواجهات توجد شمسيات بها نوافذ على شكل زهرة سداسية الشكل، أما نوافذه عبارة عن أقواس مدببة الشكل تزينها أشكال هندسية بزجاج ملون، وفي الواجهة الأمامية للمسجد توجد نافورة مياه كانت تستعمل سابقا لوضوء المصلين، وكانت دائمة الجريان، وهي متواجدة داخل تجويف ذي قوس مدبب على حائط عريض من الحجر المهندم.
مواد بناء المسجد
استعمل في بناء المسجد العديد من المواد المحلية التي كانت تتوفر بالمنطقة أو تصنع محليا، كالحجر المهندم الذي استعمل في أساسات المسجد والسلالم، الآجر الموقد على النار الذي استعمل في اسطوانات الجامع وفي العقود، وفي تبليط أرضية قاعة الصلاة ذات الشكل المسدس، القرميد والآجر استعمل في الشريط المزخرف (الإفريز)، كما استعمل الجبس في الدرابيز الواقية للسلالم، واستعمل الزليج في شتى التغطيات الزخرفية على الحائط، واستعملت العوارض الحديدية لحمل قباب، وتمّ سقل تلبيس الجدران بملاط الجير والرمل، واستعمل الجير لطلاء الجدران.
تريميات المسجد
وفي سنة 2006م تم إعادة بناء المحراب وفقا للطراز الأموي السوري، مع إضافة سدة في الطابق الأول في قاعة الصلاة وقد أنجزت بهياكل حديدية وسقفت بالحطب يصعد لها بسلالم حديدية، خصص منها جناح للرجال، والآخر للنساء.
وفي سنة 2022 خضع المسجد لمشروع ترميم تحت إشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية الأغواط، وقد أغلق لمدة زمنية بسبب أشغال الترميم وتم إعادة فتحه في: 17/02/2023.
المراجع:
بلقاسم التخي: مسجد الصفاح بالأغواط: https://www.youtube.com/watch?v=xYvWnd6BhXQ
بطاقة تقنية لإعادة الاعتبار لمسجد الصفاح بمدينة الأغواط، مديرة الثقافة لولاية الأغواط.
شتيح عزالدين: جامع الصفاح، https://www.youtube.com/watch?v=PwqMlzXbe0Q
منارات الجزائر: المسجد الكبير الصفاح، منارة تاريخية وشعلة تنير الاغواط:
https://www.youtube.com/watch?v=pjD2h7-ZGx8


































