فقه الوقفقرارات المحكمة العليا الجزائريةقوانين وقرارات قضائية

التعليق على الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بالوقف

التعليق على القرار القضائي رقم: 1179721، المؤرخ في: 2018/10/11

الأستاذ الدكتور جمال عياشي  جامعة الجزائر 01

(باحث في الوقف الإسلامي وتنظيماته القانونية)

بحكم التخصص، توجه إلينا بعض القائمين على موقع الأوقاف الجزائرية من الباحثين المبرّزين في الأوقاف، وأوكلوا بنا مهمّة التعليق على مختارات من قرارات قضائية هامة، بطريقة منهجية يسيرة تُوصل المدلول من دون تشتيت للأفكار ولا سبر لكثير آراء ولا لعديد اختلافات فقهية، قصد الوقوف مباشرة على الحكم الفقهي الأنسب، الأصح والأصوب -على الأقل وفق وجهة نظرنا- كمساهمة منّا في إثراء الجانب الفقهي والنقدي الموضوعي العلمي لمجموعة القرارات المنتقاة، خدمة للعلم ومجالات التخصص التي بحثنا فيها لسنوات وتمرّسنا بالتدريس فيها لأطوار جامعية مختلفة لفترات.

بيانات القرار محل المناقشة والتعليق:

رقم القرار:  1179721.

تاريخ القرار: 2018/10/11.

الموضوع: وقف.

الأطراف: الطاعن: (ع.ب) ومن معه / المطعون ضده: (ب.ع)

الكلمات الأساسية: عقد شهرة – تقادم مكسب

المرجع القانوني: المادتان 689 و827 من القانون المدني.

المبدأ:  يقسم الحبس إلى خيري وأهلي.

يأخذ الحبس الخيري حكم المال العام لا يجوز تملكه عن طريق التقادم المكسب.

أما الحبس الأهلي لا يوجد نص قانوني يمنع من تملكه عن التقادم المكسب.

توطئة:

يتناول القرار الذي بين أيدينا موضوع مسألة حيازة وتملك عقار محبس (وقف خاص)، بموجب العقد المؤرخ في 14/07/1943، حيث تتلخص وقائع القضية في قيام السيد (ع.ب):

  • بحيازة الأرض محل عقد الشهرة أثر القسمة القضائية بين الورثة التي تمت خلال سنة 1964 بين الورثة.
  • بالبناء فوق الأرض حسب رخصة البناء المؤرخة خلال سنة 1968 وشهادة المطابقة المحررة خلال سنة 1972 ورخصة البناء لسنة 1977 والقرار النهائي المؤرخ في 18/02/1980.

حيث إنّ قضاة المجلس القضائي:  

  • أبطلوا عقد الشهرة محل النزاع المشهر بتاريخ 11/05/1993 حجم 929 رقم 44.
  • وبالتبعية قاموا إبطال عقد الحبس المشهر بتاريخ 22/10/1994 حجم 968 رقم 62.
  • والعلة في ذلك أنّ الأرض محل عقد الشهرة محبسة بموجب العقد المؤرخ في 14/07/1943 والتي لا يجوز تملكها بالتقادم المكسب.

حيث إنّ قضاة المحكمة العليا:

  • اعتبروا أنّ الوثائق تؤكد الحيازة.
  • اعتمدوا على المادة 827 من القانون المدني التي تنص على أنّه: “كلّ من حاز عقارا دون أن يكون مالكا له أو خاصا به صار له ذلك ملكا إذا استمرت حيازته لمدة 15 سنة دون انقطاع ” مما يفهم من ذلك أن هذه المادة جاءت شاملة لجميع العقارات إلا ما استثني منها طبقا لأحكام المادة 689 من القانون المدني وفضلا عن ذلك أنّ الحبس ينقسم إلى خيري وأهلي فيأخذ الحبس الخيري حكم المال العام لا يجوز تملكه عن طريق التقادم المكسب طبقا للمادة 689 من القانون المدني، أمّا الحبس الأهلي لا يوجد أيّ نص قانوني يمنع من تملكه عن طريق التقادم المكسب.

وعليه؛ فالمشكل القانوني هو: هل يمكن تملك الوقف الخاص عن طريق التقادم المكسب؟

قبل الشروع في التعليق على القرار، فإنه تثار بعض الإشكالات القانونية منها:

  • على أي أساس يكون قياس الوقف الخيري فقط بالمال العام؟
  • وقبل صدور قانون التوجيه العقاري كان المال الوقفي ضمن مكونات المال العام؛ سواء كان وقفا خاصا أو عاما؟
  • على أي أساس تمت قسمة عقار وقفي؟
  • كيف يسمح بتمليك الوقف الأهلي ومن المعلوم أنّ مآل الوقف الأهلي هو وقف خيري.
  • هل رخصة البناء والمطابقة تعنى الحيازة؟
  • هل يمكن للمنتفع أن يقوم بالبناء على الوقف، وعلى فرض التسليم بجواز البناء هل يعدّ البناء وقفا أم ملكية مشتركة؟  

التعليق:

فكما أنّه لا يوجد نص قانوني يمنع تملك الوقف الأهلي بالتقادم، كذلك لا يوجد نص قانوني يسمح بتملك الوقف الخيري بالتقادم، وإعمال نص المادة 827 من القانون المدني على الوقف الأهلي دون الخيري فيه إعادة نظر. إذ الحكم يجب أن يكون لكلا النوعين واحد، ولا وجه للتفرقة بينهما خاصة بالاستناد على نص لا يصلح أن يكون أساسا للتفريق، إذ لا دلالة فيه على مثل هذا الحكم لا صراحة ولا ضمنا.

ولقد غفلت المحكمة العليا عن الطبيعة التعبّدية للوقف، وهذا عنصر رئيس لم يكن إهماله ملائما، ولو كانت الأموال العامة ممنوعة التصرف لمجرد كونها مالا عاما ومخصصة للنفع العام، ولا يمكنها أن تكون محلا للتملك الخاص كما تنص عليه المادة 3/1 من قانون الأملاك الوطنية، فإنّ الوقف بنوعيه كذلك عاجلا أم آجلا؛ مخصص للنفع العام، كما لا يخول النص الخاص أن يكون الملك الوقفي محلا للتصرف فيه بأي فعل ناقل للملك طبقا لمقتضى المادة 23 من قانون الأوقاف، وهذا فضلا عن طابعه التعبدي الذي يقصد من جرائه الواقف الأجر، ومهما كانت التصرفات اللاحقة التي يبرمها الغير فلا يمكن حرمان المالك الأصلي (الواقف) من مثوبة الوقف التي قصدها آن إبرامه للتصرف.

ثم إنّ ضوابط تفسير النصوص القانونية تقتضي النظر في كافة الأحكام التي يتضمنها القانون قبل اللجوء لغيره من الأحكام العامة، وبالرجوع إلى قانون الأوقاف يتبين أنّ نص المادة 02 منه لا تسمح للقاضي الرجوع في تفسير أحكامه إلى القانون المدني بل توجهه إلى “أحكام الشريعة الإسلامية”، ولذا كان على القضاء الامتثال لنص القانون في الإحالة على المصدر والاستناد عليه في تفسيره للنص، طالما أنّ الحكم صريحا كان أم ضمنيا غائب؛

وبالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية أو بالأحرى الفقه الإسلامي، يتبين أنّ جمهور الفقهاء بما فيهم السادة المالكية يقولون بعدم جواز كسب الملكية الوقفية بالتقادم (مواهب الجليل: 6/226) والإباضية أيضا يميلون لنفس الحكم (شرح النيل: 13/508)، أما الحنفية الذين يشذون بالرأي المرجوح عن الجمهور فيشترطون مضي مدة 36 سنة كاملة (حاشية ابن عابدين 4/344)، وهذا ليس بذي محل، ولم يؤسس عليه القضاء قراره حتى يكون ذا وجه قانوني سديد.

بالإضافة إلى كل ما سلف، فإنه يُفترض في قضاء المحكمة العليا العمل على ترسيخ مبادئ قضائية عامة تمتاز بالدقة والشمول، خاصة فيما ارتبط بأحكام شاملة -كما هو الأمر عليه في إشكال الحال- وهو ما لم يتم العمل عليه بصدد إصدار هذا القرار المخالف جزئيا لقرار سابق صادر بصفة شاملة وعامة بخصوص محل الخصومة والذي استقر القضاة فيه على أنّه: “لا تقادم في الحبس” (ملف رقم 157310، بتاريخ 16/07/1997، غير منشور)، كما أنه مخالف أيضا لقرار لاحق استقر فيه القضاة على أنه: “لا تطبق أحكام التقادم على الوقف” (ملف رقم 1345727، قرار بتاريخ 07/ 10/ 2020، منشور).

خلاصة: دون إغفال الطابع التعبدي للوقف بداية، فإنه ومع غياب النص القانوني للحكم الصريح في محل خصومة الحال، لم يكن أمام القضاء العدول عن أحكام الشريعة الإسلامية المحال عليها صراحة بحكم نص المادة 2 من قانون الأوقاف إلى غيرها من النصوص القانونية في القواعد العامة من القانون المدني، واجتهادات الفقه المالكي والإباضي المفيدة بعدم جواز التقادم في الوقف مطلقا من غير تفرقة بين الأهلي منه والخيري، واجتهادات المحكمة العليا السابقة واللاحقة لمنطوق هذا القرار والرامية جميعها إلى امتناع الأملاك الوقفية عن التقادم جملة واحدة من غير تفرقة ولا تمييز.

وعليه: التزاما بإحالات النصوص القانونية للفقه الإسلامي، ووقوفا عند اجتهادات الفقهاء، مع عدم إهمال الطابع التعبدي للوقف، وعملا على استقرار المبادئ القضائية يتبين أن “الأملاك الوقفية بنوعيها لا تكتسب بالتقادم مطلقا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى