على مذهب المالكيّةفتاوى الأوقاففقه الوقف

من فتاوى الشّيخ محمّد شارف الجزائري رحمه الله

فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن عبد القادر شارف الجزائري رحمه الله…اعتنى بها وخرّج أحاديثها تلميذه الأستاذ الدكتور محمد إيدير مشنان

(نقلا عن كتاب فتاوى الشيخ محمد شارف نشر دار البلاغ للنشر والتوزيع، ص ص 909_ 910 ومن ص 924 إلى ص 938)

534 ـ استئجار أرض الـمقبرة

الجواب

إذا كانت المقبرة وقفا على دفن موتى المسلمين، فهي حق مشاع للطائفة الموقوفة عليهم، ولا يحق لأحد استئجار بقعة فيها، ويتبع في ذلك شرط الواقف المنصوص عليه في مختصر خليل المالكي، وهو قوله: ((واتُّبِعَ شَرْطُهُ([1]) إِنْ جازَ))([2]).

ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»([3])، كما أجمع الفقهاء على أن خبر الواحد واجب الاتباع لقوله سبحانه: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا”([4])، والله أعلم.

535 ـ استئجار أرض الـمقبرة

الجواب

إذا كانت المقبرة وقفًا على دفن موتى المسلمين، فهي حينئذ حق مشاع بين الطائفة الموقوفة عليهم هذه الأرض، لا يجوز لأحد استئجار بقعة فيها ولا تخصيصها ببعض دون بعض، ويتبع في ذلك شرط الواقف كما صرح بذلك فقهاء المسلمين وأجمعوا عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»([5]).

وقد أجمع الفقهاء على أن القبر حبس على صاحبه لا ينبش ولا يتصرَّف فيه بدفن ولا غيره، إلا لضرورة شرعية كما إذا ضاقت المقبرة ولم يوجد فيها مكان شاغر لدفن من يموت، فإنه حينئذ يسوغ الكشف عن القبر القديم الذي تحقق فناء من كان مدفونا فيه ليدفن عليه الميِّت الجديد، بشرط ألا تجمع عظام الميِّت القديم في خرقة وتوضع بجانب الميِّت الحالي كما يفعل ذلك كثير من جهلة المسلمين حفاري القبور.

وهذا النهي يشير إليه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِه حَيًّا»([6])، فإنه في الحرمة وعدم إيصال الأذى إليه كالحيِّ سواء. هذا ما اتفق عليه جميع المذاهب الإسلامية. والله أعلم.

544 ـ الوقف في الإسلام حكمه وأنواعه

الجواب

الوقف من التبرعات المندوبة، وهو من مختصات دين الإسلام الحنيف، كما قاله النووي رحمه الله، ولقول الشافعي: ((لم يقع حبس في الجاهلية))([7]).

فإن وقع باختيار صح، ولا يتوقف على حكم حاكم، وتنفيذه فهو كالصدقة، غير أنه يشترط فيه الحيازة، فإن حيز خرج عن ملك الواقف إلى الموقوف له يستغله حسب شروط الحبس دون ذاته، فلا يباع ولا يبدّل عن حاله.

ثم إن كان الوقف عاما فهو مؤبّد، وإن كان خاصا على معينين صرفت غلته عليهم ما بقوا، فإن انقرضوا رجع لعصبة المحبس الفقراء، فإن لم يوجدوا رجع إلى الفقراء عامة، ويستوي فيه الذكور والإناث على السواء ولو شرط الواقف خلاف ذلك، فهذا في الغلة.

وأما بيعه فلا كما تقدم، غير أنه يتبع فيه شرط الواقف فلا يجوز مخالفته كشرطه بأهل مذهب معين، أو بإنفاقه على مسجد أو مدرسة أو مستشفى، فلا يجوز الخروج به عنه، وإذا اشترط الواقف على الموقوف عليه إن احتاج باع جاز ذلك في غير العقار، كما يشترط أنه إذا صار تحت يد ظالم رجع له ملكا، وكذا إن اشترط بيع ما لا ينتفع به ليعوض بما ينتفع به في غير العقار مضى ذلك، وهذا كله في غير العقار.

وأما العقار كالدور والحوانيت والحوائط، فهذه لا يباع شيء منها ليستبدل به غيره، ولو خربت، ذكر ذلك مالك رحمه الله في المدونة ونصها: ((ولا يباع العقار الحبس ولو خرب، وبقاء أحباس السلف دائرة أبدا دليل على منع ذلك))([8]).

وروى أبو الفرج عن مالك أيضا: إن رأى الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله، وهو مذهب أبى حنيفة رحمه الله، ثم إنَّ عَدَمَ بيعِ عقار الوقف ولو خرب ـ كما قالوا ـ يستثنى منه بيعه لتوسيع المسجد والطريق والمقبرة، فيجوز بيعه فيها، وسواء كان عاما أو خاصا إيثارا للمصلحة العامة الموجودة في هذه الثلاث، كما أنه لا يهدم، فإن هدم وجب تجديده في مكانه.

والوقف عام وخاص

فالعام: ما لم تعين فيه طائفة بعينها، وحكمه كما سبق.

والخاص: فمنه ما يجوز، وذلك فيما ليس فيه ما يجلب الشنآن، وأما ما كان فيه ذلك كالحبس على الذكور دون الإناث، فاختلف السلف في إمضائه وعدم إمضائه، فأجازه الجمهور محتجين بأنه إذا جاز للرجل أن يهب أو يوقف على الأجانب دون الأقارب، فلأن يهب أو يوقف على صنف من أولاده دون الآخرين أولى بالجواز.

ودليلهم ما جاء في الصحيح من نحل أبي بكر ابنته عائشة رضي الله عنهما جذَاذَ عشرين وسقا من ماله بالغابة، ولما لم تحزه عنه حتى حضرته الوفاة نَزَعَه عنها قائلا لها: ((فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِهِ وَاحْتَزْتِهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ))([9])، فلم يشترط عليها إلا الحوز، ولم يقع منها.

 ومنعه أهل الظاهر محتجين بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، فإن أباه نحله غلاما وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فيه، فقال له: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَارْجِعْهُ».

وفي رواية: «أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي»([10])، وأبى عليه ذلك، والله أعلم.

545 ـ من أحكام الوقف

الجواب

الوقف هو من التبرعات المندوبة، وهو من مختصَّات دين الإسلام، كما قاله النووي([11])، ولقول الشافعي رحمه الله: ((لم يقع حبس في الجاهلية))([12]).

وعليه، فإن وقع صح بالحيازة ولا يتوقف على حكم حاكم، فإذا حيز ممن حبِّس عليهم خرج عن ملك المالك، وصار وقفا يستغلُّ غلَّتَه من وقف عليهم دون أصله فيحفظ ما بقي قائما.

هذا إن كان الوقف عاما بقي مؤبدا، وإن كان خاصا على معنيين صرفت غلته عليهم ما بقوا، فإذا انقرضوا رجع لعصبة المحبس وهو أقرب الفقراء منه، فإن لم يجدوا فللفقراء عامة، ويستوي في الرجوع المذكور الذكر والأنثى، ولو شرط الواقف خلاف ذلك.

وأما بيعه وتبع فيه شرط الواقف؛ إن أجاز الشرع ما شرطه كتخصيص أهل مذهب معين، أو بإنفاقه على مسجد أو مدرسة أو مستشفى أو غير ذلك من المصالح العامة للدين والدنيا العائدة منفعتها على المسلمين. وإذن فلا يجوز الخروج عن الشرط المذكور.

وكذلك إذا اشترط أن من احتاج من المحبس عليهم في غير العقار باع.

وكما إذا اشترط أنه إن صار تحت يد ظالم رجع له ملكا، فيرجع بذلك ملكا.

وكإن اشترط بيع ما لا ينتفع به ليعوض بما ينتفع به في غير العقار مضى، ولا يجوز الخروج عن شرط الواقف فيه.

وأما العقار المتكون من الدور والحوانيت والحوائط، فهذا لا يباع ليستدل به غيره ولو خرب، ذكر ذلك مالك في المدونة ونصها: ((ولا يباع العقار الحبس ولو خرب، وبقاء أحباس السلف دائرة أبدا دليل على منع ذلك)). انتهى([13]).

وروى أبو الفرج عن مالك أيضا: إن رأى الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويُجعل ثَمَنُه في مثله، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.

قالوا: ولا يجوز بيع العقار ولو خرب ولو ليعوض به غيره من عامر، اللهم إلا في مسائل مستثناة منها توسيع مسجد وطريق ومقبرة، فيجوز بيعه في هذه الثلاثة، كان الوقف العقار خاصا أو عاما.

قالوا: ومن جملة منع بيع العقار المذكور منع هدمه، ومَنْ هَدَمَهُ ـ ولو كان الواقف نفسه ـ وجب عليه إعادته في مكانه ذلك.

وأما حبس ما ذكر على الأولاد الذكور دون الإناث، فقد اختلف السلف في جواز ذلك ومنعه.

فأجازه الجمهور منهم، محتجِّين بأنه إذا جاز للرجل أن يهب أو يوقف على الأجانب دون أولاده فَلأَنْ يهب أو يوقف على صنف من أولاده دون الآخرين أولى بالجواز.

ودليلهم ما جاء في الصحيح من نحل أبي بكر ابنته عائشة جذَاذَ عشرين وسقا من ماله بالغابة، ولما لم تحزه عنه حتى حضرته الوفاة نَزَعَه عنها ورجع إرثا للورثة، وقال لها: ((فَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ))([14])، فلم يشترط عليها إلا الحوز، ولم يقع منها.

ومنعه أهل الظاهر محتجين بحديث النعمان بن بشير، فإن أباه نحله غلاما، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فيه، فقال له: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : فَارْتَجِعْهُ»([15]).

وفي رواية: «أَلَسْتَ تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُكَ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي»([16])، وأبى عليه ذلك، والله أعلم.

وأما اشتراط الواقف المذكور على الموقوف عليهم أن يجعلوا مما ذكر طعاما ليلة المولد النبوي لأولاد أبي حميدة وجميع الغابة المذكور مرهونة في ذلك الطعام.

فهذا من جملة شروط الواقف فلتتبع، حيث لم يصادمها ما يخالف الشرع، والله أعلم.

546 ـ الوقف على النفس

الجواب

عَنْ ابْنِ عُمَرَ: ((أَنَّ عُمَرَ أَصَابَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْت أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟)) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «إنْ شِئْتَ حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا»، فَـ((تَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا تُبَاعَ وَلَا تُوهَبَ وَلَا تُورَثَ، فِي الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً)). رواه الجماعة([17]).

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: ((لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّل))([18]).

وَعَنْ عُثْمَانَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي». رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ([19]). قال ابن تيمية رحمه الله: وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام([20]).

قال الشوكاني: ((قوله صلى الله عليه وسلم : «فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ» فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف، ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف. وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره.

قال في الفتح: ويُسْتَنْبَطُ منه صحة الوقف على النفس، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه، وقال به ابن شعبان من المالكية، وجمهورهم على المنع، إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرًا بحيث لا يُتَّهم أنه قصد حرمان ورثته، ومن الشافعية ابن سُرَيج وطائفة. وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما، واستدل له بقصة عمر هذه، وبقصة راكب البدنة، وبحديث أنس في «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا»([21]). ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن مِلْكِه بالعتق وردَّها إليه بالشرط([22]). انتهى.

وقد حكى في البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ.

وعن الشافعي ومحمد الناصر أنه لا يصح الوقف على النفس. قالوا: لأنه تمليك، فلا يصح أن يتملّكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة، ولقوله ×: «سَبِّلِ الثَّمْرَةَ»([23])، وتسبيل الثمرة تمليكها للغير.

قال في الفتح: وتُعُقِّبَ بأن امتناع ذلك غير مستحيل، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة، والفائدة في الوقف حاصلة، لأن استحقاقه إياه مِلْكًا غير استحقاقه إياه وقفا([24]). انتهى.

ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي دينار فقال: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك». أخرجه أبو داود والنسائي([25]).

وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس.

انتهى من نيل الأوطار للشوكاني في باب الوقف([26]).

547 ـ نقل حجارة مسجد لبناء مسجد آخر

هل يجوز نقل حجارة مسجد تهدم لبناء غيره؟

الجواب

لا يجوز نقل ذلك إلى مسجد غيره إلا بإذن الذين هم مسؤولون عن المسجد المنقول حجارته منه، وذلك فيما إذا كان المسجد وقفا وتحت إشراف ناظره، فما كان منه يبقى له إلا أن يعاد بناؤه كما كان، فهو بمنزلة الرسوم وهي لا تتغير ولا تتبدل بغيرها إلا بإذن من يراعي مصلحة المسجد القائم بشؤونه، وقد جاء في مثله معنى حديث صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ»([27])، والله أعلم.

548 ـ نقل حجارة مسجد لبناء مسجد آخر

هل يجوز نقل حجارة مسجد تهدَّم لبناء مسجد آخر؟

الجواب

لا يجوز نقل شيء من مسجد إلى مسجد آخر، إلا بإذن ممن يَهُمُّهُم أمر المسجد المنقول منه إذا كان ذلك المسجد وقفا، فما كان فيه يبقى خاصًّا به، إلا إذا ضاق ذلك المسجد عن المصلين واضطر إلى بناء آخر، وكان في الأول زائد فراش ونحوه، فلا بأس بنقل الزائد للمسجد الجديد.

ومع هذا فلا بد من إذن مَنْ يهمهم أمر المسجد القديم ومشورتهم في ذلك قال تعالى:”وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ”([28]).

وقال صلى الله عليه وسلم : «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»([29])، والله أعلم.

549 ـ الرجوع في الوقف

هل يجوز الرجوع في الحبس؟

الجواب

لا يجوز الرجوع في الحبس، ويستمر ما بقي أصل الحبس موجودًا، وذلك قياسًا على الهبة التي لا يجوز الرجوع فيها لقوله صلى الله عليه وسلم : «لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ يَعُودُ فِيهَا إلاَّ الْوَالِدَ»([30])، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: «الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»([31])، وهو غاية في التنفير المقتضي للمنع.

نعم من خصائص الحبس شرط الواقف، فإذا اشترط المحبس أنه متى أراد أن يلغي ما حبسه فله ذلك، ففي النفراوي على الرسالة: ((لا يشترط في الوقف التأبيد))([32])، وعليه فيصح الوقف مدة من الزمن ثم يرجع ملكًا لصاحبه أو للورثة)).

550 ـ الرجوع في الوقف

هل يجوز بيع الحبس؟

الجواب

من المعلوم أن الحبس لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بما يغيِّر أصله، وعليه الحبس المذكور بيعه باطل ويجب عليه أن يرد الثمن الذي باع به، لأن من شروط البيع الصحيح أن يكون ملكًا، والحبس المبيع ليس ملكًا لأحد.

كما أن على المشتري الذي اشتراه أن يردَّ أصله وأن يغرم الغلَّة التي استفادها من الأصل المحبس([33])، اللهم إلا إذا كان الحبس المذكور عاما له فيه حق الغلَّة، فلتترك له حصَّته من الغلَّة ويردُّ الباقي على ذوي الحقوق، والله أعلم.

551 ـ الحكم في وثيقة إشهاد بحبس، وفيها تنزيل وارث

الجواب

وفيها أن عبد المجيد خالد بن منصَّر، أشهد على نفسه وهو بالحالة الجائزة شرعا أنه حبّس وأبَّد ربع دار مشتملة على عُلَيٍّ بها عشر بيوت، وربع دار أيضا بها اثنا عشر بيتا، وسبعون هكتارا أرضا بها برج مشتمل أيضا على إسطبل، ومسكن على أربع بيوت، انجر له ذلك بعضه بالإرث من أسلافه وبعضه بالشراء من ابن أخيه عبد المجيد عمار بن عبد الله بن مْنَصَّر.

حبس ما ذكر أوَّلاً على نفسه مدة حياته، وبعد وفاته يرجع الحبس على زوجته غرايبية حَضْرِية بنت أحمد بن صالح وابن أخيه عبد المجيد إبراهيم بن الرزقي، لتنتفع الأولى برُبُع غلته وينتفع الثاني بالباقي.

وإن ماتت غريبية حضرية قبل عبد المجيد إبراهيم رجع تعصيبها لهذا الأخير لينفرد بغلة المال المحبَّس، أو لمن هو في الدرجة التي تليه إن مات قبلها حسب الترتيب الآتي ذكره، ثم على الذكور دون الإناث من أولاد عبد المجيد إبراهيم بن الرزقي دون أولادهم، ثم على عبد المجيد ابن عبد العزيز بن الكبلوتي بن  منصر دون أولاده، ثم على عبد المجيد عمار بن الرزقي بن منصر دون أولاده، ثم على عبد المجيد محمد بن الرزقي بن منصر دون أولاده، ثم على أولاد أولاد عبد المجيد إبراهيم، وأولاد عبد المجيد عبد العزيز بن الكبلوتي، وأولاد عبد المجيد عمار بن الرزقي، وأولاد عبد المجيد محمود بن الرزقي ذكورا وإناثا للذكر مثل حظ الأنثين وأعقابهم وأعقاب أعقابهم، دون أعقاب غرايبية حضرية، ما تناسلوا فتسلسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، لا تدخل في ذلك الطبقة السفلى مع الطبقة العليا.

فإن أتى الحِمَامُ على جميعهم وانقرضوا كلُّهم رجع الحبس على فقراء دوار تفاش ـ بلدة المذكورين هنا جميعا ـ يصرف رَيْعُه عليهم بالمعروف وبواسطة الميثاق الشرعية المكلفة بالأحباس، مقلدا في ذلك مذهب أبي حنيفة رحمه الله القائل بجواز الحبس على النفس من دون افتقار إلى حكم حاكم وحوز حائز حبسا مؤبدا سرمدا لا يباع ولا يوهب ولا يورث كلالة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

ثم بعد وفاة عبد المجيد خالد بن منصر المحبس المذكور أعلاه، قامت أخت عبد المجيد بركية بنت منصر بدعوى ضد المحبَّس عليه عبد المجيد إبراهيم بن الرزقي ابن أخي الهالك المحبس، تقول في دعواها بأن أخاها توفي منذ شهر وزيادة، عنها كأخت وعن زوجته وعن أولاد أخيه، وكان حصره خلفه باستدعاء من ابن أخيه عبد المجيد إبراهيم، وأن هذا الأخير استظهر بعد وفاة عمه المذكور برسم الحبس المذكور سابقا، غير أن فيه أن المتروك من عقار وحيوانات هي محبسة عليه وحده.

كما استظهر برسم تنزيل مضمنه أن الهالك كان نزّل ابن أخيه منزلة ابن الصّلب، كل ذلك لإبعاد بعض الورثة من أخذ حقوقهم. طالبة المدعية المذكورة بإبطال الرسمين المذكورين لكونهما مخالفين للعقيدة الشرعية.

 وفيما يخص الحبس يشترط فيه أن يكون معقّبا، والحال أنه ليس بمعقب. وأما رسم التنزيل فيشترط أن لا يكون لوارث، وحيث إن المنزل وارث بوجه التعصيب مع جملة الورثة فالتنزيل المذكور باطل.

وقد قدمت هذه النازلة إلى إحدى المحاكم الشرعية، فحكمت فيما يخص التنزيل المذكور بأنه صحيح، حيث إن الهالك لما نزل المطلوب منزلة الابن كان له حق في ذلك حسب النصوص الشرعية، ولا يوجد نص شرعي يحكم بإبطاله ـ هكذا صدر الحكم ـ. ثم تقول المحكمة: وعليه أطلب الحكم بتصحيح الحبس والتنزيل، وإبطال دعوى الطالبة أن مورثها حبس جميع مخلفاته على ابن أخيه المذكور.

وقد أجاب وكيل المطلوب بأن الحبس معقب والتنزيل صحيح، وقد أصدرت المحكمة بصحة التنزيل المذكور وإنزاله منزلة الوصية بالثلث، وفيما يخص الحبس فإنه صحيح.

وبعد فهل فيما سبق في غضون هذه القضية ما يخالف الشريعة الإسلامية، وهل المدعية المذكورة لها الحق فيما ادعت؟ أفيدونا رحمكم الله.

الجواب:

هذه القضية فيها وقف مال على وارثين بعد وفاة الواقف، فينزل الوقف منزلة الوصية. وقد ذكر ابن رشد في البداية فقال في شرط الموصى له بأن لا يكون وارثا: وأما الموصى له، فإنهم اتفقوا على أن الوصية لا تجوز لوارث لقوله عليه الصلاة والسلام: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»([34])، قال: إنها لا تجوز لوارث إذا لم يجزها الورثة.

فإن أجازها الورثة، فالخلاف بين أن تمضى هذه الوصية وبين أن لا تمضى.

فعند الجمهور: تجوز.

وعند أهل الظاهر والمزني: لا تجوز.

والسبب في هذا الخلافِ اختلافُهم في: هل الوصية عبادة، أو هي معقولة المعنى؟

ـ فمن ذهب إلى المعنى الأول منعها مطلقا.

ـ ومن ذهب إلى المعنى الثاني فَهِمَ المنعَ لحقِّ الورثةِ، فإن أجازوها جازت)). انتهى من البداية بتصرف([35]).

كما أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث لحديث سعد بن أبي وقاص، وفيه أنه قال: «أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: لاَ. قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ، الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ  كَثِيرٌ…». الحديث([36]).

وقد عرَّف الفقهاء الوصية بقولهم: ((عقد يوجب حقًّا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده))([37]).


([1]) أي الواقف. [الشيخ محمد شارف]

([2]) مختصر الشيخ خليل ص 213.

([3]) أخرجه أبو داود (3/304، رقم 3594). قال الألباني: حسن صحيح.

      والترمذي (3/626، رقم 1352). وقال: حديث حسن صحيح.

      والحاكم في المستدرك (4/113، 7059). قال الذهبي: واهٍ.

      والدارقطني في سننه (3/426، رقم 2892، واللفظ له.

([4]) سورة الحشر/7.

([5]) سبق تخريجه.

([6]) سبق تخريجه.

([7]) انظر: الأم للإمام الشافعي (4/60).

([8]) المدونة (6/100)

([9]) سبق تخريجه.

([10]) سبق تخريجه.

([11]) انظر: مواهب الجليل للحطاب (6/18)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (8/157)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب للبجيرمي (3/242).

([12]) انظر: الأم للإمام الشافعي (4/60).

([13]) المدونة (6/100)

([14]) سبق تخريجه.

([15]) سبق تخريجه.

([16]) سبق تخريجه.

([17]) أخرجه البخاري (3/198، رقم 2737). وفي غير هذا الموضع.

      ومسلم (3/1255، رقم 15/1632).

      وأبو داود (3/116، رقم 2878).

      والترمذي (3/651، رقم 1675).

      والنسائي (6/230، رقم 3599).

      وابن ماجه (2/801، رقم 2396).

      والإمام أحمد (8/217، رقم 4608).

([18]) أخرجه البخاري (3/102، رقم 2313).

([19]) أخرجه الترمذي (5/627، رقم 3703). قال الألباني: حسن.

      والنسائي (6/235، رقم 3608). وقال الألباني: صحيح دون قصة ثبير الواردة في تمام الحديث.

([20]) انظر: منتقى الأخبار لابن تيمية الجد مع نيل الأوطار للشوكاني (6/27 ـ 28).

([21]) أخرجه البخاري (7/6، رقم 5086).

      ومسلم (2/1045، رقم 85/1365).

([22]) انظر: فتح الباري لابن حجر (5/403 ـ 404).

([23]) أخرجه النسائي (6/232، رقم 3604). وصححه الألباني.

      والشافعي في مسنده (2/138، رقم 457).

([24]) انظر: فتح الباري لابن حجر (5/404).

([25]) أخرجه أبو داود (2/132، رقم 1691). وقال الألباني: حسن.

      والنسائي (5/62، رقم 2535). قال الألباني: حسن صحيح.

      والإمام أحمد في المسند (12/381، رقم 7419). قال محققه: إسناده قوي.

      وابن حبان (10/47 ـ 48، رقم 4235). قال محققه: إسناده حسن.

      والحاكم في المستدرك (1/575، رقم 1514). وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

([26]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني (6/31).

([27]) أخرجه  مسلم (3/1567، رقم 43/1978).

([28]) سورة الشورى/38.

([29]) سبق تخريجه.

([30]) أخرجه أبو داود (3/291، رقم 3539). قال الألباني: صحيح.

      والترمذي (3/585، رقم 1299). قال الألباني: صحيح.

      والنسائي (6/267، رقم 3703). قال الألباني: صحيح.

والبزار في مسنده (11/120، رقم 4843).

وابن حبان في صحيحه (11/524، رقم 5123). قال محققه: إسناده صحيح.

والحاكم في المستدرك (2/53، رقم 2298). وقال: حديث صحيح الإسناد.

([31]) سبق تخريجه.

([32]) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي (2/162).

([33]) الأرض إذا استحقت بحبس رجعت للمحبس عليهم، ويغرم قيمة ما نقص من البستان وما زرعه في البستان، فإن لم يبلغ حد الانتفاع به فالخيار لأصحاب الحبس، إن شاؤوا أخذوه بلا شيء، وإن شاؤوا أمروه بقلعه، فإن بلغ حد الانتفاع به أمروه بقلعه، وهذا فيما إذا لم يخش فوات وقت ما تراد له الأرض، وإلا طولب الغاصب بكراء السنة.

وهذا يشهد له ما في الترمذي من قوله ×: «مَنْ زَرَعَ أَرْضًا لِقَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فالزَّرْعُ لِرَبِّ الأَرْضِ وعَلَيْهِ نَفَقُتُهُ».. [الشيخ محمد شارف]

أخرجه أبو داود (3/261، رقم 3403). قال الألباني: صحيح.

      والترمذي (3/640، رقم 1366)وقال: حديث حسن غريب… وسألت محمد بن إسماعيل ـ يعني البخاري ـ عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن.

        وابن ماجه (2/824، رقم 2466). قال الألباني: صحيح.

        والإمام أحمد في المسند (25/138، رقم 15821). قال محققه: حديث صحيح بطرقه.

([34]) سبق تخريجه.

([35]) بداية المجتهد لابن رشد (1/334).

([36]) أخرجه الإمام مالك (2/763، رقم 4)، واللفظ له.

والبخاري (2/82، 1295)، وفي غير هذا الموضع.

      ومسلم (3/1250، رقم 5/1628)، وفي غير هذا الموضع.

([37]) انظر: شرح حدود ابن عرفة للرصاع ص 528، التاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق (8/513)، مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب (6/364).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى