أخبار الوقفمساجد الجزائرمعرض الصور

المسجد الكبير لإباضية وارجلان (لاله عزّة) ولاية ورقلة

دنبذة تعريفية عن جامع العزابة الكبير (لاله عزة)

من إعداد: الأستاذ سليمان بن محمد بومعقل (باحث في التاريخ)

تسمية المسجد:

يتداول في الوثائق بــــ “بمسجد أوجامع العزابة الكبير”، المسمّى في عرف البلد وفي اللسان المحليّ بـــ” لاله عزّه”، إذ يُطلق عندنا على المسجد من باب الاحترام بــ “لاله” أي “السيدة”، على غرار “لاله مالكية”، و”لاله التوبة”، و”لاله باهية”، أمّا:”عزّة” فهي اختصار لكلمة “العزابة”، ففي فترة من فترات تاريخ مدينة ورقلة خاصة في العهد العثماني، كانت كلمة “العزابة” تعني الإباضية، من باب إطلاق الجزء على الكلّ.

ولـمّا أخذ يظهر البون بين المصلّى، المسجد والجامع، صار يقال له: الجامع. أمّا وصف هذا المسجد/الجامع بـ:”الكبير” فهو تمييز له عن بقية مساجد العزابة/الإباضية المتواجدة في المدينة، وللمسجد ثلاثة أبواب، يفتح أوسطها في سائر الأيام، أما البابان الآخران فلهما مواقيت محددة.

تاريخ المسجد:

مثل جلّ مساجد البلدة القديمة، لا يُعرف لهذا المسجد تاريخ مضبوط، إلاّ أنّه يعدّ من أقدمها، ويقول الأستاذ شهبي عبد العزيز([1]): “لا المصادر المكتوبة ولا الأثرية منها نستطيع الاعتماد عليها على أخذ فكرة واضحة عن تاريخ تشييد المسجد” ([2])، كما يردف: “وذكر لنا إمام الجامع المالكي السيد الطيب باعمر بأنّ هذا الجامع يسمى بالبربرية “جامع لاله عزة” وأنّه كان موجودا أثناء وجود سدراتة التي خربت عام 624هـ/1226م، وبني قبل المسجد العتيق المالكي الذي تأسس في القرن 7هـ/13م، وهو الذي ذكره ابن خلدون، ويسمى صحن الجامع الكبير للعزابة بمنبر وارجلان، ويُعتقد أن نقوش محرابه نقلت عن نقوش سدراتة” ([3]).

ثم يقول:”فاستنادا إلى الروايات والنصوص التاريخية، واعتمادا على الطراز المعماري ومواد البناء ووسائل الدعم، فإننا نرجح تاريخ تأسيس الجامع الكبير للعزابة الإباضي بورقلة في بداية القرن 4هـ/10م، وهي الفترة التي استقر فيها الإباضيون بعدما فروا من تيهرت…” ([4]).

وإن ضرب هذا المسجد جذوره في التاريخ، فإنّي واعتمادا على بعض القرائن، أذهب إلى أنّه لم يتحوّل إلى مسجد كبير، أو إلى مقرّ للعزابة، إلاّ بعد نزوح ساكنة الإباضيّة في جهة (عرش/حيّ) بني إبراهيم.

كما يشهد بناء الجامع منذ تأسيسه إلى اليوم، من حين لآخر، ترميمات وتحسينات عديدة، منها ما تم سنة 1890م، إثر تضرر البنيان من تهاطل أمطار غزيرة، أمّا بالنسبة للذين أمّوا المصلين فيه، فهم من الأحدث إلى الأقدم:

  • الشيخ الحاج إبراهيم بن الحاج سليمان بابزيز، إمامه الحالي بعد 1996م.
  • الشيخ الحاج عمر بن داود بابزيز بعد 1979م ([5]).
  • الشيخ الحاج سليمان بن الحاج عمر بابزيز([6]) بعد 1936م.
  • الشيخ الحاج أحمد بن محمد بومعقل([7]) (ت 1936م).
  • عومر بن محمد بن الحاج معيزة ([8]).

الموقع:

يوجد هذا المسجد الجامع في السوق القديم، للقصر العتيق لمدينة ورقلة، إلى الجهة الشمالية الشرقية لشارع الشهيد الشطي الوكّال، وإلى الركن الجنوبي الغربي للسوق.

المهام:

مسجد ” لاله عزّه ” من المساجد العامرة بورقلة ويعتبر المسجد الكبير لإباضية وارجلان (ورقلة) ([9])، تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والأعياد… والشعائر الدينية من وعظ وإرشادٍ، وفيه يقع إحياء ليلة ميلاد النبيء صلى الله عليه وسلم، كما تقع فيه الاجتماعات العمومية الجامعة للإباضية والمالكية في بعض المهمّات والشؤون المشتركة.

يُعدّ هذا المسجد: مقرّ عزّابة وارجلان، منه تُسير بقية مساجد الإباضية بالبلدة، وتُدار شؤونهم الدينية ـ الاجتماعية.

مرافق المسجد:

صحن المسجد: بعدما كان شاسعا، قُلّل من مساحته لصالح مرافق أخرى، كما سُقّف جزؤه الشمالي حيث تقام بعض الاجتماعات وحفلات الموالد غالبا، كان قبل اليوم في هذا الصحن شجرة عنب، ونخلتان؛ إحداهما من نوع “العمّارية” وهو أول الأنواع نضجا، والثانية “غرس” وهو (عولة) المنطقة، أمّا اليوم فلم يعد في الصحن إلاّ نخلة واحدة، وعلى يسار الداخل للجامع بيت صغير مقبور فيه الشيخ صالح.

قبر الشيخ صالح: يقع على يسار الداخل إلى جامع العزابة ـ من بابه الرئيسي ـ أي في سقيفة الجامع يوجد ضريح الشيخ صالح الذي تولى إمامة ومشيخة جامع العزابة في القرن الـ11 هـ/17م([10])، نظرا لمكانته فقد عين حاكم وارجلان آنذاك من أسرة آل أعلاهم ابنه إماما، ثم ذريته أبا عن جد ـ لجامعة أي جامع السلطان منذ سنة 1044 هـ/1655م.

مصلّى الرجال: يصف الشيخ إبراهيم أعزام، هذا المصلّى بقوله:” وفي البيت (40) أربعون أسطوانة وستة (أساكب) صفوف في غاية الطول، وداخله محراب في غاية الإتقان عليه قبّة كبيرة محلاّة بالنقش البديع، أخذ مثاله من محكمة سدراته” ([11]).

يتكوّن من ثلاثة أجزاء، الجزء المتوسط منها هو الأقدم، يتميّز بضخامة أعمدته، وسقفه المتخذ شكل القبب. كان محرابه في غاية الإتقان عليه قبّة كبيرة، هُدّم هذا المحراب وقبّته مع صفوفه الأولى للتوسعة والتجديد سنة 1991، ثمّ أعيد بناء محراب وقبّة أخريين على شاكلة الأولين، في التوسعة الأخيرة للمصلّى.

ويعتبر الجزء الأوّل من الجهة الجنوبية هو الأحدث إنشاء، إذ تمّ بناؤه في العقد الأخير من القرن العشرين للميلاد، بينما يعود بناء الجزء الخلفي إلى سبعينيات القرن العشرين للميلاد.

مصلّى النساء: بعدما كان خلف مصلّى الرجال، صار اليوم في الطابق الأول للجزء الخلفي لمصلى الرجال.

الصومعة: للمسجد صومعة طويلة في غاية الأٌبهة والإتقان تُرقى بثلاث وسبعين درجة، هرمية الشكل على شاكلة المئذنة القديمة للمسجد المالكي، والمئذنة الحالية للمسجد العتيق بأنقوسة، ومآذن مساجد مزاب

مقرّ العزابة: كان قبل اليوم عبارة عن غرفة في الجهة الشرقية ـ الشمالية للجامع، يُرقى إليها ببعض الدرجات، بعدما هُدم هذا المقرّ، صار يتغيّر وينتقل من محلّ لآخر في المسجد، حسب الظروف.

مقرّ إروان ([12]): تم تخصيص إحدى قاعات الجامع كمقرّ لهم، مع بداية صائفة 1997. 

المكتبة: قبل اليوم كان للجامع مكتبة ثرية بالمخطوطات، في مختلف الفنون، لكن لم يكد ينتصف القرن الـ20 م حتّى لم يبق منها إلاّ النزر اليسير، واليوم لا وجود لهذه المكتبة كلية. وفي سنة 1985 بُعثت هذه المكتبة باسم:”مكتبة الوفاق” مكتبة متعددة الاختصاصات، خاصة ما يتعلق منها بالعلوم الشرعية، وفي مطلع سنة 2010 حولت هذه المكتبة إلى مدرسة الوفاق القرآنية، فرع الشيخ أبي سهل الواقع جهة حاسي البستان، ببني وكين، الضاحية الشرقية للقصر العتيق.

أقسام دراسية: بعدما لم تعد محضرة الشيخ أبي يعقوب يوسف بن سهلون (ق5هـ)، والقريبة من المسجد/ الجامع، تتسع لكلّ أقسام مدرسة الوفاق، حُوّلت بعض أقسامها إلى المسجد، إلى أن تمّ بناء صرح المدرسة الجديد عام 2008م جهة حاسي البستان، فتمّ تجميع كلّ أقسام المدرسة. لتتحوّل أقسام لاله عزة إلى مهام أخرى.

المطهرة ولواحقها: وإن كان جزء منها قديما، إلاّ أنّه أعيد تجديد جلها في العقد الأخير من القرن العشرين للميلاد.

السطائح: توجد في المسجد ثلاث سطائح، اثنتان في الطابق الثاني، الخلفية منهما للنساء، والأمامية للرجال، بالإضافة إلى السطيحة الموجودة في الطابق الأول. كانت هذه السطائح تستغلّ في فصل الصيف، ولكن بعد انتشار المكيفات، تبدّل الأمر.

أوقاف المسجد:

نظرا لتعلّق المسلم بالمساجد، فإنّ لاله عزة (كغيرها من المساجد) تتمتّع بعدّة أوقاف لصالح عمارتها بشتّى الطرق. وهذه الأوقاف عبارة عن غابات نخيل ونخيل موزّع في عدّة غابات، بالإضافة إلى بعض العقارات، دون أن ننسى صدقات يؤتى بها إلى المسجد في أوقات محدّدة من قبل الموقِّفين.

                                                


[1]  – عبد العزيز شهبي، مساجد أثريّة في منطقتي الزاب ووادي ريغ، بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه الحلقة الثالثة في الآثار الإسلامية، جامعة الجزائر ~ معهد الآثار، الجزائر، السنة الجامعية 1984-1985، ص ص 171 – 174 وما بعدها.

[2] – المرجع نفسه، ص 173.

[3] – المرجع نفسه، ص 174.

[4]– المرجع نفسه، ص 174 وما بعدها.

[5] – توجد ترجمته له في معجم أعلام الإباضية.

[6] – توجد ترجمته في معجم أعلام الإباضية.

[7] – توجد ترجمته في معجم أعلام الإباضية.

[8] – هو جدّ الملقبين اليوم بـعائلة “تيني”.

[9] – نظرا لاتساع المدينة، ولازدياد سكانها، فمع مطلع هذه الألفية صارت صلاة الجمعة لدى إباضية ورقلة، بالإضافة إلى لاله عزة، تقام كذلك في مسجد الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني الكائن جهة بني ثور، إحدى الامتدادات الجديدة للمدينة.

[10] – دعا الله بالاستخارة، فاستجيب دعاؤه قبل خروجه من المسجد، ولعلم الناس سبب دعائه، رأوا ذلك كرامة له، فدفنوه في أقصى شرق مدخل المسجد.

[11] – إبراهيم بن صالح باباحمو أعزام  ( م 1311هــ / 1893م – ت 1384هـ / 1965م)، كتاب غصن البان في تاريخ وارجلان، دراسة وتحقيق إبراهيم بحاز و سليمان بومعقل، الطبعة الأولى، دار العالمية غرداية، الجزائر، 2013، ص 234 وما بعدها.

[12] – إروان : نظام أو هيئة لحملة القرآن الكريم، من إصلاحات الشيخ عمي سعيد الجربي في مزاب، أمّا عندنا في وارجلان فقبل 1993 لم يكن معروفا، وإن وُجد ما يعرف بكبار الطلبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى