الضوابط الإجرائية لاستصدار وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الأملاك الوقفية على ضوء المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336

د. عبد المالك رقاني، جامعة تامنغست / الجزائر
نظراً لأهمية وثيقة الإشهاد المكتوب ودورها البارز، فقد أخضعها المشرع لجملة من الإجراءات، تمر بمراحل حتمية لا غنى عنها، ولدراسة هذه الإجراءات أو المراحل والخطوات الواجب اتباعها تقتضي الدراسة تقسيمها إلى بندين، فالأول يتم الوقوف من خلاله على إجراءات تحضير وثيقة الإشهاد المكتوب، أمّا البند الثاني فيخصص لكيفية إصدار الشهادة الرسمية.
البند الأول: كيفية تحضير وثيقة الإشهاد المكتوب: يتم تقسيم هذا البند أولاً إلى مرحلتين بارزتين، فالمرحلة الأولى خاصة بكيفية إعداد وثيقة الإشهاد المكتوب وتسجيلها، على أن يتم الحديث عن إعداد المخطط الطبوغرافي وتقرير المهندس الخبير العقاري ثانياً.
أولاً: إعداد وثيقة الإشهاد المكتوب وتسجيلها: وتقسم هذه المرحلة إلى عنصرين؛ فالأول لإعداد وثيقة الإشهاد المكتوب، والثاني لتسجيلها.
- مرحلة إعدادها: في هذه المرحلة يبرز دور وكيل الأوقاف باعتباره موظفاً عمومياً أُنيط له البحث عن الأملاك الوقفية([1])، عملاً بأحكام المادة 28/4 من المرسوم التنفيذي رقم: 08-411([2]) على أنّ: “البحث عن الأملاك الوقفية غير المصنفة وإحصاؤها…”، والذي يتوجب عليه بمجرد إشعاره كتابة أو شفاهة، البحث واتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للوصول للحقيقة”([3])، وذلك مروراً بالخطوات الآتية:
- قراءة الرسالة بتمعن ومعرفة مقصودها ثمّ الاتصال بصاحب الرسالة للتأكد من صحتها، أمّا إذا كان التصريح شفوياً تسجل التصريحات في محضر يوقع عليه كل من المصرح، ووكيل الأوقاف.
- بناءً على التصريح أو الرسالة يعاين وكيل الأوقاف العقار المقصود، ويتصل بالسكان المجاورين للعقار، وتسجيل كلّ ما قام من إجراءات في محضر، وتحبذ المعاينة بمعية المحضر القضائي لإثبات هذه الحالة([4]).
- بناءً على المعاينة أو محضر إثبات حالة، يقوم وكيل الأوقاف بالإتصال بالمصرحين لملء وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي، كما باستطاعة الشهود ملء هذه الوثيقة بأنفسهم كما سبق الإشارة إليه من قبل.
- بعد ملء هذه الوثيقة يتوجب المصادقة على الإشهاد من قبل المصلحة المختصة بالبلدية، أو أيّ مصلحة أخرى مؤهلة قانوناً([5]).
ومما تجدر الإشارة إليه؛ أنّ هذه المصادقة لا تكسب هذه الوثيقة الرسمية([6])، بل إنّ هذا التصديق على التوقيعات لا يستهدف إثبات شرعية أو صحة الشهادة أو الوثيقة، وهو ما نصت عليه صراحة أحكام المادة 02([7])، من المرسوم رقم 77-41 المتعلق بالتصديق على التوقيعات، مع العلم أنّ الشاهد الموقع على هذه الوثيقة يتحمل وحده كامل المسؤولية طبقاً لنص المادة 217([8]) من قانون العقوبات، إلاّ أنّه يستفيد من العذر المخفف في حال عدوله قبل أن ترتب هذه الشهادة ضرراً بالغير، عملاً بنص المادة 52 من القانون العقوبات([9]).
وأرى والله أعلم أنّه لابد من مباشرة هذا الإجراء أمام الموثق؛ باعتباره ضابطاً عمومياً مختصاً، والذي من مهامه التحقق من هوية وأهلية وسكن الشاهد، وكذا موقع العقار، ويمكن العودة إليه عند الضرورة، للاطلاع على أصل الإشهاد المودع في أرشيف مكتبه، ولاتصاله الوثيق بمصالح إدارية لها معرفة واختصاص بمادة العقار، كمديرية أملاك الدولة، المحافظة العقارية، مديرية الحفظ العقاري، الوكالة العقارية، الولاية، والبلدية…
- مراحلة تسجيلها: بعد إيداع وثيقة الإشهاد المكتوب بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف، على وكيل الأوقاف أن يباشر عملية التسجيل، وهذا التسجيل يكون في سجلين:
- التسجيل في سجل الإيداع: يعد هذا الإجراء أول ما يباشره وكيل الأوقاف بعد استلامه لوثيقة الإشهاد المكتوب، مع إعطاء وصل إيداع للشاهد، وهذا الوصل يُفترض أن يسلم من قبل الوزارة الوصية، إلاّ أنّه لم يُمنح بعدُ للإدارة على المستوى المحلي.
- التسجيل في السجل الخاص بالملك الوقفي: عملاً بمقتضى المادة 03 من المرسوم رقم: 2000-336، والتي تقضي بوجوب تسجيل وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي في سجل([10]) خاص لدى مديرية الشؤون الدينية والأوقاف المختصة إقليمياً، كما أنّ المادة 03 من القرار المتعلق بتحديد محتوى السجل الخاص بالملك الوقفي تتمثل في:
- دفتر من الحجم الكبير لا تقلّ عدد صفحاته عن 365 صفحة.
- غلاف من الورق المُقوّى يتضمن وجهه الأمامي في الأعلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وبيانات أُخرى وجب ذكرها، مما يؤكد الطابع الشكلي الذي يتحتم أن يتوفر عليه هذا السجل([11])، وعلى مدير الشؤون الدينية والأوقاف التوقيع في السجل بعد أن تستكمل كلّ البيانات الخاصة بالملك الوقفي([12]).
ويلحظ؛ أنّ السجل الخاص بالملك الوقفي تأخّر قرار صدوره عن الشهادة الرسمية التي لا يمكن أن تحرر إلا بتسجيل وثيقة الإشهاد المكتوب في هذا السجل حسب ما أشارت إلية المذكرة رقم: 188، مما يقتضي تسجيلها في السجل بأثر رجعي.
ثانياً: إعداد المخطط الطبوغرافي والتقرير لوثيقة الإشهاد المكتوب: في هذه المرحلة يبرز دور المهندس الخبير العقاري، والذي يتوجب عليه إعداد مخطط طبوغرافي وتقرير، وهو ما سنتناوله في عنصرين:
- إعداد المخطط الطبوغرافي: لا يفوتنا في هذا المقام إلاّ الوقوف على المهام التي يقوم به الخبير([13]) المهندس العقاري([14]) في هذه العملية، وذلك نظراً للدور البارز والهام الذي يتوجب القيام به هذا الأخير، فقد نصت المادة 03 من الأمر رقم:95-08([15]) المتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري على أنّه: “يتمّ تكليف المهندس الخبير العقاري إمّا بموجب حكم قضائي من قبل السلطات العمومية، أو من قبل أشخاص القانون الخاص، وهذا من أجل القيام بـ:
- وضع المخططات الطبوغرافية والوثائق التقنية الملحقة بالعقود الرسمية الناقلة للملكية العقارية.
- وضع الرسوم الطبوغرافية لسطح الأملاك العقارية وتحديدها ووضع معالم حدودها،
- القيام بالتحريات العقارية المرتبطة بنزع الملكية للمنفعة العمومية وتحرير مخطط جزئي بذلك،
- القيام بجميع عمليات الدراسة والرسوم الطبوغرافية المتعلقة بأشغال التهيئة العقارية من تجزئة الأراضي وتقسيمها وضمها…،
- وضع المخططات الطبوغرافية والوثائق التقنية الملحقة بالعقود الرسمية الناقلة للملكية العقارية،
- وضع الرسوم الطبوغرافية لسطح الأملاك العقارية وتحديدها ووضع معالم حدودها([16]).
ونظراً للدور البارز والهام الذي يقوم به المهندس الخبير العقاري، فإنّ اللجنة المشكلة بمناسبة انطلاق أشغال مسح الأراضي العام([17]) بموجب المادة 01([18]) منه في تعديلها للمادة 07/8 من المرسوم رقم: 76-62 المعدل والمتمم، جعلت من المهندس الخبير العقاري أحد أعضائها([19]).
- إعداد تقرير خبرة: يتوجب على المهندس العقاري أنْ يعد زيادة على المخطط الطبوغرافي إعداد تقرير خبرة يصحب بمخطط طبوغرافي([20])، وعلى مدير الشؤون الدينية والأوقاف التوقيع في السجل بعد أن تستكمل كلّ البيانات الخاصة بالملك الوقفي.
البند الثاني: إصدار الشهادة الرسمية الخاصة بالملك الوقفي: على غرار وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي، والسجل الخاص بالملك الوقفي، فإن المشرع الجزائري أوجب بعد استيفاء الشروط المتعلقة بوثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي، حتمية إفراغها في قالب رسمي، فمن هو الشخص المؤهل لإصدار الشهادة الرسمية؟ وما طبيعتها القانونية وملحوظاتها، وهو ما سيتم تناوله أولاً ثم ثانياً؟
أولا: الشخص المؤهل لإصدار الشهادة الرسمية وقيودها القانونية: عملاً بالقواعد العامة في الاختصاص فقد أُنيط إصدار الشهادة الرسمية لشخص مؤهل قانوناً، والتي أحاطها بجملة من الضوابط، والقيود، وهو ما سيتم الحديث عنه في عنصرين على التوالي:
- الشخص المؤهل لإصدار الشهادة الرسمية: ينعقد الاختصاص في هذا المجال لمدير الشؤون الدينية والأوقاف باعتباره موثقاً للدولة، عملاً بموجب المادة 26 مكرر 11 من القانون رقم: 01-07([21]) على أنه: “للسلطة المكلفة بالأوقاف حق إبرام عقود في إطار أحكام المادة 08 أعلاه…”، وكذا نص المادة 03/3 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-200 المتضمن تحديد قواعد تنظيم مصالح الشؤون الدينية والأوقاف في الولاية وعملها، على مراقبة التسيير والسهر على حماية الأملاك الوقفية وحمايتها.
ضف إلى ذلك؛ نص المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم: 98-381، والتي نصت على أن: “تسهر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الولاية على تسيير الأملاك الوقفية وحمايتها والبحث عنها، وجردها وتوثيقها إدارياً طبقاً للتنظيم المعمول به”، وهذا دون إهمال ما ورد في المنشور رقم: 56 الذي حمل مدراء الشؤون الدينية والأوقاف([22]) كامل المسؤولية في حالة عدم اهتمامهم بالأوقاف([23])، وهو ما أكدته المذكرة رقم: 188([24]).
- القيود القانونية لإصدار الشهادة الرسمية الخاصة بالملك الوقفي وبياناتها: لضمان السير الحسن لهذا الإجراء فقد أحاطه المشرع بقيود أو بالأحرى ضمانات من حيث العدد والآجال، وكذا البيانات، وهو ما يتم تناوله في نقطتين:
- العدد والآجال:
- العدد: بعد استيفاء الشروط المبينة أعلاه، وتسجيل أربع (04) وثائق من الإشهاد المكتوب لإثبات الملكالوقفي، يُعِدُّ مدير الشؤون الدينية والأوقاف المختص إقليمياً هذه الشهادة الرسمية التي تعد بمثابة تتويج لشهادة الشهود.
- الآجال: تصدر الشهادة الرسمية في غضون خمسة عشر (15) يوماً عملاً بموجب المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336 المتضمن وثيقة الإشهاد المكتوب.
- بيانات الشهادة الرسمية: حسب نص المادة 03 من القرار الوزاري المؤرخ في: 26 ماي 2001 المحدد لشكل ومحتوى الشهادة الرسمية الخاصة بالملك الوقفي تكون ذكر البيانات على الشكل الآتي:
- عنوان الشهادة.
- المراجع القانونية المعتمدة.
- رقم وتاريخ تسجيل وثائق الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي في سجل مديرية الشؤون الدينية والأوقاف المختصة إقليمياً، وكذا موقع العقار الوقفي ومساحته، وعلى مدير الشؤون الدينية والأوقاف التوقيع في السجل بعد أن تستكمل كلّ البيانات الخاصة بالملك الوقفي([25]).
ثانياً: الطبيعة القانونية للشهادة الرسمية وملحوظاتها: نظراً لأهمية التكييف ودوره وأثره في استقرار المعاملات، يتوجب الوقوف على الطبيعة القانونية للشهادة الرسمية، وما قد يلحظ عليها من خلال عنصرين:
- طبيعتها القانونية: هناك من يرى([26]) أنّ الطبيعة القانونية لهذه الشهادة هي تصريحية([27])، ذات طبيعة خاصة، وذلك أن الأصل في العقود أو المحررات التصريحية يتم التصريح بمحتواها أمام الشخص المؤهل لإبرام العقود، بينما يُلحظ؛ أن الشهادة الرسمية للوقف تبرم بناءً على وثائق إشهاد مكتوب تم جمعها والمصادقة عليها في غير حضور الشخص المختص لإبرام العقود، فهو بهذا الوصف لم يتلق تصريحاً بل تلقى مجموعة من الاشهادات، فهو غير مسؤول عن ما جاء فيها، كونه لم يصادق على محتواها([28])، كما أنّ هذه الشهادة متوقفة على شرط فاسخ (إذا ظهرت وثائق ثبوتية للمالك الأصلي)، مما يؤدي إلى عدم استقرار المعاملات.
وبالتالي؛ ففي حال ظهور أدلة مضادة، فإنّ هذه الشهادة تعدّ باطلة، وهذا طبقاً لما جاءت به المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336، غير أنّه من الناحية العملية لم نقف على وثيقة أو سند مصحوب بهذه الشهادة يرتب البطلان كما هو منصوص عليه قانوناً، إلا إذا أُريد به البطلان ضمنياً.
ولا يفوتنا في هذا المقام؛ إلا التذكير بأنه زيادة على السجلات التي سبق ذكرها، فإن بعض الموظفين قد يلجؤون زيادة في الاحتياط لتسجيل هذه الشهادات في سجل خاص، وهو ليس السجل الخاص بجرد العقارات الوقفية المستحدث بموجب التعليمة رقم: 143([29])، مما يسهم في الجانب التنظيمي للإدارة، وخاصة إذا كانت الإدارة تعرف حركية في هذا المجال، كما لا يفوتنا أيضاً أنّ المشرع الجزائري لم يعتد بالإقرار في توثيق العقارات الوقفية، والذي يعدّ أحد أبرز الطرق الشرعية للتوثيق([30]).
- ملحوظات: يتم الحديث عن هذه الملحوظات في شكل استفهامات أو تساؤلات قد يجاب ويعلق عليها، ومن أمثلة ذلك نص المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336 في المادة 05 منه([31])، أن الشهادة الرسمية الخاصة بالملك الوقفي، ترفق بشرط البطلان عند ظهور أدلة مضادة، وهو الشرط الذي تمّ إغفاله في القرار الوزاري المحدد لشكل ومحتوى الشهادة الرسمية الخاصة بالملك الوقفي، وكذا الملحق الموضح لأنموذج هذه الشهادة والمرفق بالقرار.
والجدير بالذكر؛ أنَّ هذا الشرط ينقص من قيمة هذه الشهادة، إن لم نقل يفقدها قوتها القانونية، وخاصة من الناحية أو الواقع العملي كثيراً ما شهد عزوف الناس عن المساهمة في الأوقاف لما ترتبه من جزاءات في حال ظهور أدلة مضادة([32]).
ويطرح تساؤلاً حول جدوى إشهارها طالما أنّ الشهر يكسب السند المشهر حجية، هذا فضلاً على أنّ الوثائق الرسمية تكتسب قوة ثبوتية قاطعة، فهي حجة لما ورد فيها حتى يطعن فيها بالتزوير، فلا يمكن إلغاء الشهادة المشهرة إلاّ عن طريق القضاء المختص، وهذا يسوقنا إلى القول بضرورة إلغاء هذا الشرط الفاسخ([33]) أو إمكانية تعديله بما يتناسب وخصوصية العقارات الوقفية، وخاصة في حال استثمارها، وأصبحت لها عائدات، مما يقتضي إمكانية إخضاع الشهادة الرسمية في حال ظهور أدلة مضادة بموجب نص المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336، إلى إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة([34])، كما أنّ المرسوم لم يبين حدود ومجالات إصداره الشهادة الرسمية، فهل يمكن إصدارها على عقارات لها سندات مشهرة، أم هي فقط متعلقة بالعقارات التي لم يسبق أن كانت محلّ حقوق مشهرة، وفي حال ارتباطها بوضعية سابقة كانت محل شهر، فما هو الأثر المعدل لهذه الشهادة؟
هذا؛ ويثار التساؤل أيضاً بخصوص جدوى هذه الشهادة الرسمية في المناطق التي انطلق فيها المسح العام؛ لأنّها في هذه الحالة ستكون بمثابة إجراء موازي، فهي شبيهة بإجراءات شهر الحيازة، والتي تتوقف بانطلاق عمليات المسح العام.
ورداً على هذا التساؤل الأخير؛ فإنّ الشهادة الرسمية تتوقف مع انطلاق مسح الأراضي العام، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال تركها دون اتخاذ أيّ إجراء قانوني لاستردادها وتوثيقها، حتى ولو انطلق مسح الأراضي([35])، إذ إنّ الشهادة الرسمية تشبه إلى حدّ بعيد الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم: 07-02([36])، وذلك بالاستعانة به كآلية لتحرير سندات الملكية، بالرغم من الاختلاف بين الإجراءين، مع مراعاة طبيعة وخصوصية العقارات الوقفية بناءً على أنها شهادة تصريحية([37]).
يضاف إلى ذلك؛ لم يبين المشرع ما المراد بالأدلة المضادة هل هي ظهور المالك الحقيقي أو الحائز؟ أو رجوع الشاهد عن شهادته، أو الشهادة التي يدلي بها شهود النفي؟ كما لم يفرق المشرع بين ما إذا كان الرجوع قبل مدة التقادم أو بعدها؟ أو كل هذه الأحوال السالفة الذكر مجموعة أو منفردة تؤدي إلى بطلان هذا الإشهاد، كما يتوجب التفرقة بين الشاهد حسن النية، وسيئ النية، وكذا الشاهد الأصلي والشاهد الشريك، وعليه؛ فهل من العدل ترتيب الأحكام نفسها عليهم؟
خاتمة: نخلص في ختامهذه الدراسة التي تناولنا فيها حقيقة وثيقة الإشهاد المكتوب؛ باعتبارها إحدى الوسائل التي أحدثها المشرع الجزائري لإثبات الملك الوقفي، وقد تُوُصل إلى بعض النتائج، مع تضمينها ببعض التوصيات:
أولاً- النتائج:
- حرص المشرع على إثبات العقارات الوقفية العامة من خلال سَنِّهِ لإجراءات وأليات بصدور المرسوم رقم: 2000-336.
- اعتماد الأنموذج الذي جاء به المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336، والذي يعد بمثابة الشكل الواجب إتباعه.
- تضمنت وثيقة الإشهاد المكتوب بيانات خاصة بالشخص الواقف، وأخرى بالعقار الموقوف.
- تساهم وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي في عملتي حصر وجرد الأملاك الوقفية.
- تضمنت الوثيقة بيانات خاصة بالشاهد، وبيانات بالنسبة للعقار المراد وقفه.
- لم يرتب المشرع أيّ أثر على عدم احترام مدة تسجيل وثيقة الإشهاد المكتوب، مع العلم أن الآجال من النظام العام.
- في حال ظهور أدلة مضادة، فإنّ هذه الشهادة تصبح باطلة، وهذا طبقا لما جاءت به المادة 05 من المرسوم رقم: 2000-336، فكأنَّ الشهادة متوقفة على شرط فاسخ.
- إعادة النظر بخصوص الخبير المهندس المعماري، إذ الكثير منهم قد يتوانى عن مباشرة الإجراءات الخاصة بوثيقة الإشهاد المكتوب، نظراً للطابع شبه المجاني الذي يساير هذه المعاينة، وبخاصة في الولايات التي لا تشهد انتعاش في استثمارات الأوقاف وعليه؛ فلو أُسندت المهام للوكالة الوطنية لمسح الأرضي بموجب المادة 5 من الاتفاقية في:10/10/2011 بين مدير الأوقاف والحج والعمرة والمدير العام للوكالة الوطنية لمسح الأراضي.
- إمكانية تحرير وثيقة الإشهاد المكتوب من الشهود.
- لم يحدد المشرع الجهة المختصة للتصديق على مستوى البلدية، هل هو رئيس المجلس الشعبي البلدي، أو أحد نوابه، أو ضباط الحالة المدنية، أو المصلحة التقنية للعقارات أو…
- إمكانية إخضاع الشهادة الرسمية في حال ظهور أدلة مضادة بموجب نص المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336 إلى إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة.
- هذه الشهادة متوقفة على شرط فاسخ (إذا ظهرت وثائق ثبوتية للمالك الأصلي)، مما يؤدي إلى عدم استقرار المعاملات.
ثانياً- التوصيات:
- إعادة تسمية وثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات الملك الوقفي، بوثيقة الإشهاد المكتوب لإثبات العقار الوقفي.
- إخضاع العقارات الوقفية لأحكام القانون رقم: 07-02 المتعلق بتحقيق العقاري ومنح سندات الملكية.
- إضافة بيانات خاصة بالشخص الواقف سواء أكان الشخص طبيعيا أو معنويا.
- إعفاء الشهود العدول من الجزاءات في حال ظهور أدلة مضادة، وذلك بقصد التشجيع على المساهمة في البحث والتقصي على الأوقاف عموماً والعقارية منها خصوصاً.
- حبذا لو نصت وثيقة الإشهاد المكتوب على بيانات خاصة بالواقف، حتى يسهل التعرف على الواقف، ولتسريع المنازعات القضائية أو الإدارية حال قيامها.
- إعفاء الشهود من المتابعات الجزائية حال ظهور المالك أو الحائز الحقيقي، لئلا يحجم الناس على الإقدام على هذه الشهادة.
- ضرورة تنمية الوعي الخيري التبرعي، وبيان دور وثيقة الإشهاد المكتوب في حصر وجرد وتنمية واستثمار الأملاك الوقفية وخاصة العقارية منها.
- تعويض العقار الموقوف سواء التعويض المادي عينياً كان أو نقدياً، في ما إذا كان العقار الموقوف أصبح مستثمراً وله إيرادات تعود بالنفع على الموقوف عليهم.
([1]) الأمر رقم: 06-03 المؤرخ في: 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق 15 يوليو سنة 2006، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية (ج، ر، العدد46، الصادرة في: 16 يوليو 2006).
([2]) المرسوم التنفيذي رقم: 08-411 المتضمن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالإدارة المكلفة بالشؤون الدينية والأوقاف.
([3]) عبد الرزاق بوضياف، إدارة أموال الوقف وسبل استثمارها في الفقه الإسلامي والقانون، (دراسة مقارنة)، (د، ذ، ع، ط)، دار الهدى، الجزائر، 2010، ص 186.
([4]) عبد الرزاق بوضياف، المرجع نفسه، ص 186.
([5]) المادة 04/2 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336، وكذا المذكرة رقم: 188. بالرغم من أن المذكرة ينصان على أن تكون:” مصادقة الإشهاد المكتوب أمام المصلحة المختصة بالبلدية، أو أي سلطة أخرى مؤهلة قانوناً”، إلا أنهما لم يُحددا بالضبط هذه الجهة المختصة على مستوى البلدية، كما لم يصرحا باسم الضابط العمومي المختص.
([6]) المرسوم رقم: 77-41 المؤرخ في: أول ربيع الأول عام 1397 الموافق 19 فبراير سنة 1977، المتعلق بالتصديق على التوقيعات، (ج، ر، العدد 16، الصادرة في: 23 فبراير 1977). تم الإشارة إليه في الفصل الأول من هذه الأطروحة بصدد الحديث عن العقود العرفية.
([7]) عيسى بن محمد بوراس، (توثيق الأعيان الوقفية في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري، وقف سيدي بنور بن صالح)، دراسة تطبيقية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية، تخصص: شريعة وقانون، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية- قسم الشريعة- جامعة العقيد أحمد دراية- أدرار السنة الجامعية، 1430- 1431ه/ 2009-2010م، ص 121.
([8]) تنص المادة 02 من المرسوم رقم: 77-41 على أنه: “لا يستهدف التصديق إثبات شرعية أو صحة عقد أو وثيقة إنما فقط تثبت هوية الموقع دون ممارسة الرقابة على محتوى العقد أو الوثيقة المقدمة”.
([9]) تنص المادة 217 من القانون رقم: 06-23 قانون العقوبات المعدل والمتمم على أنّه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 دج إلى 100.000دج كل شخص ليس طرفا في المحرر أدلى أمام الموظف بتقرير يعلم أنّه غير مطابق للحقيقة. ومع ذلك يستفيد من العذر المعفى بالشروط المنصوص عليها في المادة 52…”.
([10]) القرار المؤرخ في: 14 ربيع الأول عام 1422 الموافق 06 يونيو سنة 2001، يحدد شكل السجل الخاص بالملك الوقفي (ج، ر، العدد 32، الصادرة في: 10 يونيو 2001).
([11]) المذكرة رقم: 188 المؤرخة في:11 جوان 2002. المتضمنة السجل الخاص بالملك الوقفي ووثيقة الإشهاد المكتوب والشهادة الرسمية، الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
([12]) المادة 02 من القرار المتعلق بتحديد محتوى السجل الخاص بالملك الوقفي.
([13]) الخبير: مفرد خبراء، وهو ذلك الشخص الذي يفترض فيه المعرفة في علم من العلوم أو فن من الفنون، سواء كانت مدنية أو تجارية أو جنائية أو إدارية…، وعليه؛ فالخبير شخص ذو جدارة في ميدان مختص. حمو تسود، “مفهوم الخبير”، مجلة الموثق، العدد 09، الجزائر، 2003، ص 20.
- حازم عزوي، (آليات تطهير الملكية العقارية الخاصة بالقانون الجزائري)، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في تخصص القانون العقاري، كلية الحقوق، قسم العلوم القانونية، جامعة الحاج لخضر باتنة، 2009، 2010، ص 87.
([14]) تم تنظيم مهنة المهندس الخبير العقاري بالجزائر بصدور الأمر رقم: 95-08 المؤرخ في: أول رمضان عام 1415 الموافق أول فبراير سنة 1995، يتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري، (ج، ر، العدد 20، الصادرة في: 16 أبريل 1995). فقد عرفته المادة الثانية منه على أنه: “شخص طبيعي يقوم تحت مسؤوليته بوضع مخططات طبوغرافية والوثائق التقنية التي تلحق نقل الملكية العقارية بما فيها التحريات المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العمومية كما يختص بوضع الدراسات والرسوم الطبوغرافيا لسطح الأملاك العقارية..”. المرسوم التنفيذي رقم: 96-95 المؤرخ في: 17 شوال عام 1416 الموافق 6 مارس سنة 1996، يحدد كيفيات تنظيم هياكل مهنة المهندس الخبير العقاري، وسيرها ويضبط طرق ممارسة المهنة(ج، ر، العدد 17، الصادرة في: 13 مارس 1996).
([15]) الأمر رقم: 95-08 المتعلق بمهنة المهندس الخبير العقاري.
([16]) محمد مصطفى زرباني، ( السجل العقاري كألية لتطهير الملكية العقارية)، أطروحة من أجل الحصول على شهادة دكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبي بكر بلقايد- تلمسان- الجزائر، السنة الجامعية: 2016- 2017، ص 91.
([17]) المرسوم التنفيذي رقم: 92-134 المؤرخ في: 4 شوال عام 1412 الموافق 7 أبريل سنة 1992 (ج، ر، العدد 26، الصادرة في: 8 أبريل 1992). المعدل والمتمم للمرسوم رقم: 76-62 مؤرخ في: 24 ربيع الأول عام 1396 الموافق 25 مارس سنة 1976 يتعلق بإعداد مسح الأراضي العام (ج، ر، العدد 30، الصادرة في: 10 أبريل 1976).
([18]) تنص المادة الأولى المعدلة لأحكام المادتين 07 و11 من المرسوم رقم: 76-62 على ما يلي:” تنشأ لجنة لمسح الأراضي من أجل وضع الحدود في كل بلدية بمجرد افتتاح العمليات المسحية، تتكون هذه اللجنة من الأعضاء الآتي بيانهم:…
8- مهندس خبير عقاري تعينه اللجنة المخولة في المنظمة المهنية…”
([19]) تبرز أهمية إدراج المشرع المهندس الخبير العقاري في لجنة مسح الأراضي العام للخبرة التي يتمتع بها هذا الأخير، والتي يمكن أن يفيد بها الفرقة مسح الأراضي العام، وذلك بإنجازه لمخططات فردية للوحدات العقارية ومساعدة اللجنة في إبداء الرأي والاستعانة بالأرشيف العقاري الذي بحوزته. محمد مصطفى زرباني، ( السجل العقاري كألية لتطهير الملكية العقارية)، أطروحة من أجل الحصول على شهادة دكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبي بكر بلقايد- تلمسان- الجزائر، السنة الجامعية: 2016- 2017، ص 91.
([20]) أرى والله أعلم إعادة النظر بخصوص مهام الخبير المهندس المعماري حال إعداده للمخطط الطبوغرافي والتقرير، إذ قد يتوانى عن مباشرة الإجراءات الخاصة بوثيقة الإشهاد المكتوب، نظراً لانشغالاتهم الميدانية من جهة، وللطابع شبه مجاني الذي يساير هذه المعاينة من جهة أخرى، وخاصة في الولايات التي لا تشهد انتعاش في استثمارات الأوقاف. وعليه؛ فلو أُسندت المهام للوكالة الوطنية لمسح الأرضي عملاً بأحكام الاتفاقية المؤرخة في: 10/10/2011 بين مدير الأوقاف والحج والعمرة والمدير العام للوكالة الوطنية لمسح الأراضي المتعلقة بإجراء تسليم مستخرجات مخططات مسح الأراضي والمصفوفات من أجل تسوية الأملاك” وقف”. السالفة الذكر، كما أن المبالغ المستحقة جراء مقابل الأتعاب المقدمة له قد تتفاوت من ولاية إلى أخرى، وخاصة في ظل أن هناك من الولايات من تأخرت بها عملية الاستثمار؛ وبالتالي التأخير في منح مستحقات الخبير المهندي العقاري عملاً بأحكام المادة 32/2 من المرسوم التنفيذي رقم: 98-381.
([21]) المادة 04 القانون رقم: 01-07 المتضمن قانون الأوقاف المعدل والمتمم.
([22]) كان يطلق على مدير الشؤون الدينية والأوقاف ناظر الشؤون الدينية والأوقاف بموجب المرسوم رقم:91-83.
([23]) المنشور رقم: 56 الذي اعتبر هذه السنة 1996سنة إنعاش وتطوير الأملاك الوقفية وحمّل السادة نُظّار الشؤون الدينية والأوقاف كامل المسؤولية في حالة عدم الاهتمام بالأوقاف.
([24]) المذكرة رقم: 188 المتضمنة السجل الخاص بالملك الوقفي ووثيقة الإشهاد المكتوب والشهادة الرسمية، الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
([25]) المادة 02 من القرار المتعلق بتحديد محتوى السجل الخاص بالملك الوقفي.
([26]) محمد كنازة وعبد الرزاق بوضياف وخير الدين بن مشرنن.
([27]) هذا الوصف ليس على إطلاقه، بل يحتاج إلى تفصيل، ذلك أن العقود التصريحية يستلم فيها صاحب الاختصاص أقوال المصرحين ويدونها، وهو ما لا يتوفر في هذه الشهادة، ذلك أنّ مدير الشؤون الدينية والأوقاف لم يتلق التصريحات مباشرة، ولكن مجموعة وثائق يصبها في قالب رسمي كالمرسومين:
- المرسوم رقم: 83- 352 المتضمن عقد الشهرة.
- المرسوم التنفيذي رقم: 91-254 مؤرخ في: 15 محرم عام 1412 الموافق 27 يوليو سنة 1991، يحدد كيفيات إعداد شهادة الحيازة وتسليمها المحدثة بموجب المادة 39 من القانون رقم: 90-25 المؤرخ في: 18 نوفمبر 1990 والمتضمن قانون التوجيه العقاري (ج، ر، العدد 36، الصادرة في: 31 يوليو 1991).
([28]) محمد كنازة، الوقف العام في التشريع الجزائري، (دراسة قانونية مدعمة بالأحكام الفقهية والقرارات القضائية)، (د، ذ، ع، ط)، دار الهدى، الجزائر، 2006، ، ص 102.
([29]) التعليمة الوزارية رقم: 143 المؤرخة في: 03/08/2003، المتضمنة تسيير الأملاك العقارية الوقفية.
([30]) المادة 35 من قانون الأوقاف رقم: 91-10 المعدل والمتمم.
([31]) المادة 05 المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336 المتضمن وثيقة الإشهاد المكتوب.
([32]) المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم: 2000-336 المتضمن وثيقة الإشهاد المكتوب.
([33]) خالد رامول، مقال بعنوان: “قاعدة الرسمية”، مجلة الموثق، العدد 04، الجزائر، 2001، ص 32.
- عيسى بن محمد بوراس، المرجع السابق، ص 102.
([34]) القانون رقم: 91-11، المتضمن نزع الملكية للمنفعة العامة المعدل والمتمم.
([35]) محمد كنازة، المرجع السابق، ص 103.
- عيسى بن محمد بوراس، المرجع السابق، ص 102.
([36]) القانون رقم: 07-02 يتضمن تأسيس إجراء لمعاينة حق الملكية العقارية وتسليم سندات الملكية عن طريق تحقيق عقاري.
- المرسوم رقم: 83-352 المتضمن عقد الشهرة.
- المرسوم التنفيذي رقم: 91-254 المتضمن شهادة الحيازة.