من فتاوي الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلّي -رحمه الله- في الوقف (1901-1886)

من فتاوي الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلّي -رحمه الله- في الوقف
(1901-1886)
(عبد الرحمن بن عمر بكلّي: فتاوى البكريّ، تحقيق وإخراج: داود بن عيسى بورقيبة، ط1؛ العطف-غرداية: مكتبة البكريّ، 1424هـ/2003م، القسم الثالث)
الوقف وتدخل الورثة
1- سؤال: شخص حبَّس محلّا لتعليم الصبيان، وجعل أمره على يد الجماعة، ثمّ رأت الجماعة ضيق المحلّ وتعذّر توسيعه، فهل يجوز لهم أن يبيعوه أو يكروه ويعوّضوه في مكان أوسع وأليق بنفس المشروع؟ وهل لورثة المحبس حقٌّ في منع هذا التصرّف؟
الجواب
يسوغ للجماعة التي أسند إليها أمر هذا الوقف أن تتصرَّف فيه حسبما تقتضيه المصلحة، ما لم تخالف في تصرّفها مقصد الواقف، فيجوز لها أن تستبدل به آخر يكون أوسع وأليق، وتبيعه وتجعل ثمنه فيه، ولا جناح على الجماعة في ذلك، فما على المحسنين من سبيل.
ونحن إذا تأمَّلنا هذا التصرّف المنوي، وجدناه أكثر تحقيقا لمقصد الواقف من إبقائه معطَّلا ضرورة أنَّه إذا كان ضيّقا لا يسع الصبيان، ولا يمكن توسيعه، استغنت عنه الجماعة، والوقف سبيله سبيل اليتيم، وقد قال الله تعالى في حقِّه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىا قُلِ اِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 218].
هذا ولا سبيل لورثة الـمُحبّس أن يتدخّلوا في أمره بالإذن أو المنع، ما دام صاحبه قد جعله تحت يد الجماعة، فللجماعة وحدها حقّ التصرف. والله أعلم. [بكلّي: فتاوى البكريّ، ق3، ص99]
2- سؤال: هل يجوز لوارث الواقف أو لوكيل وصيّته فضلا عن غيرهما أن يرهن وقفا حبّسه الموصي لمشروع خيريّ؟ وإذا تعدّى أيّ كان، فرهنه فعلا، فهل يحكم الشرع ببطلانه؟ (وبصحبة سؤالي رسم الوصية للاطلاع على غرض الواقف)
الجواب
إنَّ الوقف الذي حبّسه موكّلكم –بناء على نصِّ الوصيَّة- ثابت؛ لأنَّه وقف عامٌّ في مشروع خيريّ ليس فيه ما يبطله شرعا، فلا سبيل لأحد الورثة، بله غيرهم أن يفسخه أو يهبه أو يبيعه أو يرهنه، اللهمّ إلاَّ ما أذن الواقف لوكلائه فقط أن يبيعوه ويقسّموه على الكيفية المنصوص عليها في الوصية أو يستبدلوا به أصلا آخر إذا رأوا ذلك أصلح.
ولولا أنَّ إذن الواقف يعتبر شرعا، لقلنا إنَّه لا يسوغ ولو للوكلاء هم أيضا أن يبدّلوا أو يغيّروا فيه، على أنَّ إذنه كان تنقيلا لا إبطالا.
ثم إنَّ العلماء نصّوا على أنَّه لا يرهن إلاَّ ما يجوز بيعه، وهذا الوقف لا يجوز بيعه بحال، فكذلك لا يجوز رهنه؛ لأنَّ كلاّ من صحّة البيع والهبة والرهن فرع لثبوت الملكية، وهذا الوقف المتكّلم عنه لا يملك أصله أو منفعته وارث، ولا وصيّ، فضلا عن غيرهم. وعليه: فمن رهنه، فرهنه باطل لا يعتدّ به شرعا. [ بكلّي: فتاوى البكريّ، ق3، ص100]
الإيصاء بالوقف
سؤال: هل يسوغ لواقف أن يحبس في وصيته بأكثر من ثلث ماله؟ وهل له أن يشترط الانتفاع بذلك الوقف ما دام حيًّا ثمّ يسلّم بعد مماته إلى المشاريع الخيريَّة المحبّس عليها؟ وهل للورثة أن يردّوه إلى الثلث أو يأخذ المانع –إذا اختلفوا جوازا ومنعا-نصيبه ممّا زاد على الثلث؟
الجواب
إنَّ هذا الوقف إذا أثبته الواقف في وصيّته، كان من جملة وصاياه، تجري عليه أحكام الوصيَّة، فلا يثبت ما فوق الثلث، إلاَّ إذا أجازه الورثة، هذا ما يتعلَّق بأصل ثبوت الوقف، أمَّا توقيفه على نفسه، فالعلماء في ذلك على مذهبين: بعض أجازه، وبعض منعه، ويظهر –والله أعلم- أن أدلّة المنع أقوى من أدلة الجواز، ذلك أنَّ الوقف على النفس تمليك، ولا يصحّ أن يتملّكه من نفسه إلى نفسه، كالبيع والهبة، ولقول الرسول : «سبّل الثمرة»، وتسبيلها تمليكها للغير، وسواء قلنا بالجواز أو المنع، فإنَّ ذلك لا يفيدنا في قضيتنا شروى نقير، ما دمنا لم نعلم بهذا التوقيف إلاَّ بعد موت المحبّس، وقد نفّذ بعد شرطه، فلا فائدة في الرجوع لما مضى وانقضى؛ وعليه: فقد أصبح هذا الوقف متمحّضا للمشاريع الخيريَّة. وإذا سبق القول: إنَّ هذا الحبس من الوصيَّة فللورثة أن يردّوها إلى الثلث إلاَّ إن أجازوها، وإن اختلفوا إجازة ومنعا، فللوارث المانع أن يأخذ ما ينوبه من تلك الزيادة، ولا غضاضة في ذلك. والله أعلم. [ بكلّي: فتاوى البكريّ، ق3، ص102]