جامع سيدي علي مبارك بالقليعة … (المدينة الجزائرية ذات الطابع الأندلسي)

تاريخ بناء المسجد
حسب الدراسات الأثرية، فإنّ بناء مدينة جديدة في بلدة إسلامية يكون مرفوقا ببناء دار الإمارة والمسجد الجامع، والسوق.
وبما أنّ مدينة القليعة بنيت في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، فإنّ تأسيس الجامع يكون في نفس الفترة الزمنية.
موقع المسجد، وترميمه
يقع جامع سيدي علي مبارك في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة، تحده من الجهة الشمالية المباني السكنية، ومن الجهات الأخرى ضريح الولي سيدي علي مبارك والمستشفى.
وقد تعرض الجامع إلى انهيار كلي إثر زلزال ضرب المدينة سنة 1217هـ، مما أدى إلى تجديده سنة 1218هـ من طرف الداي مصطفى باشا، ويدل على ذلك الكتابة الأثرية عند مدخل الجامع: التي ورد فيها: ” قد أمر بهذا المسجد بالتجديد وبنائه الرائق المنتشأ، كان البر الله بالحفظ والرعاية يرجو من الفوز بما شا(ء)، وتقبل منه هذا العمل فسامح واعفو واغفر بفضلك عنه لعبدك مصطفى باشا، سنة 1218ه”.
وقد تعرض الجامع إلى استيلاء الإدارة الفرنسية عليها سنة 1897م، وحولتها إلى مستشفى عسكري، وتثبت الرسالة المؤرخة بتاريخ 26 نوفمبر 1897م، والتي وجهها أحد أحفاد سيدي علي مبارك، وهو محمد لكحل، يطالب فيها السلطات الفرنسية في باريس باستعادة المسجد، وتنازله عن باقي الممتلكات.
أوقاف جامع سيدي علي مبارك
- وقف السيد محمد الصابونجي: أوقف السيد محمد الصابونجي دارا محاذية للفقيه السيد محمد المجاوي في قرية القليعة لنفسه وبعد وفاته يرجع لجامع سيدي علي بن مبارك، والمؤرخة في آخر عاشوراء سنة 1231هـ، هذا نصها: «الحمد لله، بمحضر شهود العدول المرضيون في السر والعلانية التاليين لكلام الله عز وجل وكيل ضريح الشيخ سيدي علي بن مبارك عم الله علينا بركاته الكهل المرض السيد عبد القادر الربع المؤذن ( كذا) أشهدهم كبير السن التالي لكلام الله السيد محمد الصابونجي وأنه حبس داره الكاينة في ملكه المعلومة المحاذية للفقيه السيد محمد المجاوي في قرية القليعة ابتداء على نفسه وبعد وفاته ترجع إلى جامع سيدي علي بن مبارك وذلك في حال صحته وطوعه وجواز أمره وشرط المحبس إن احتاج إلى البيع يبيع بالعناء كما هو في عرف أهل بلده معتمدا في ذلك على مذهب أبي حنيفة النعمان ونفذت ذلك وأمضته بحيث لا يغير أحد فمن يدل أو غير فالله حسيبه وسيعلم الذين ظلموا لي منقلب ينقلبون الحبس وقع في سالف الزمان والكتب متأخر بتاريخ آخر عاشوراء عام 1231، وأنا الفقير إلى الله محمد بن محمد الهبطي إمام جامع الشيخ علي بن مبارك نفعنا الله به آمين.
- وقف السيدة الولية عائشة بنت الولي الصالح سيدي الحبش: أوقفت الولية عائشة بنت الولي الصالح سيدي الحبش دار سكناها لنفسها، وبعد وفاتها يرجع لجامع الشيخ الولي الصالح والقطب الناصح سيدي علي بن مبارك المؤرخة بأوائل ربيع الأول سنة 1212هـ، هذا نصها: «الحمد لله أشهدت الولية السيدة عائشة بنت الولي الصالح سيد الحبش رحمه الله ونفعنا ببركاته آمين أنّها حبست ووقفت الله تعالى جميع دار سكناها أولا على نفسها تنتفع بسكناها مقلدة في ذلك مذهب الإمام النعمان رضي الله عنهم وبعد وفاتها يرجع الحبس على جامع الشيخ الولي الصالح والقطب الناصح سيد علي بن مبارك رضي الله عنه ونفعنا به آمين تصرف غلتها في مصالحه أرادت بذلك وجه الله العظيم وثوابه الجسيم إن الله لا يضيع أجر المحسنين فمن بدل وغير فالله حسيبه وولي الانتقام منه وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون شهد عليها وهي بحال الصحة والطوع وجواز الفعل بتاريخ أول ربيع الأول من سنة إثني عشر ومائتين وألف. الزكي التقي الفقيه السيد محي الدين فعرفها شهد به والعدل الحاج عابد وكيل ضريح الشيخ شهد به مع كاتبه محمد المجاري إمام جامع الشيخ.
الأئمة الذين تعاقبوا على المسجد
تعاقب على الجامع عدة أئمة منهم: محمد بن محمد المجاري، ومحمد الهبطي، كما كان للجامع وكيلا يقوم بشؤونه هو محمد بن عيسى، وفي وثيقة تاريخية احتوت على اسم نجل سيدي علي مبارك، وورد فيها اسم الكاتب محمد العموري بصفته مفتي المدينة.
وصف الجامع
تقدر مساحة الجامع بـ 264م، وهو يحتوي على ثلاثة مداخل مفتوحة مباشرة على بيت الصلاة: المدخل الرئيسى للجامع الذي تتقدمه ظلة يصعد إليها من خلال ثلاث درجات.
أمّا بيت الصلاة فيتخذ شكلا مربعا، يبلغ طول الضلع الشمالي 15،35م، والضلع الغربي 18م، والضلع الشرقي، 12،40م، والضلع الجنوبي 20،90م، ويرتفع بيت الصلاة بحوالي 5.70م، وقد دعمت بيت الصلاة بخمس عشرة دعامة تحمل عقودا متجاوزة، إلى جانب سبع دعامات جدارية، ثلاث منها ترتكز على الجدار الشرقي لبيت الصلاة، وأربع منها تتوزع على الجدار الغربي، أما الدعامات الأخرى فهي متعامدة الشكل، تحمل عقودا متجاوزة، منكسرة، ومفلطحة تميل إلى الشكل الحدوى، منها خمسة صفوف متعامدة في جدار القبلة شكلت خمس بلاطات يتراوح اتساعها ما بين 3 م إلى 3.10م، أوسعها بلاطة المحراب التي يبلغ اتساعها 3.30م. وخمسة صفوف موازية لجدار القبلة، شكلت بدورها خمس بلاطات يتراوح اتساعها ما بين 2.50م، و 2.70م. أوسعها بلاطة جدار القبلة باتساع 3م، ويبلغ عدد العقود في بيت الصلاة سبعة وثلاثون عقدا.
أمّا محراب الجامع فيتوسط الجدار الجنوبي الشرقي لبيت الصلاة، وهو ذو شكل مضلع سداسي الأضلاع، عرض فتحته حوالي 1.70م، وارتفاعه 2،60م، ويصل عمق تجويفه إلى 1.20.
أمّا منبر الجامع: هو من المنابر المتحركة، يتكون من ثمان درجات، وهو مستحدث، وخصصت له غرفة على يمين المحراب.
أمّا مئذنة الجامع: فهي أهم ما يميز هذا الجامع، مئذنته ذات الشكل المثمن الأضلاع، حيث تبرز قاعدتها من الزاوية الشمالية الشرقية للجامع، يبلغ ارتفاعها حوالي 23م. وزخرفت بصفوف من العقود الصماء، يبلغ عددها ستة عشر عقدا كبيرا مفصصا، وثلاثون عقدا صغيرا مفصصا، وفي كل ضلع من الأضلاع الثمانية نجد عقدا كبيرا يعلوه عقدين صغيرين.
أمّا مواد الخام المستخدمة في بناء جامع سيدي على مبارك فقد استعملت في بناء هذا الجامع مادة الطابية، أو ما يسمى بالتراب المدكوك، وحسب الظاهر أنّها متناوية مع الآجر، وملاط الجير، وهي نفس تقنية المواد التي استعملت في مدينة شرشال وتنس.
ومن الملاحظ أنّ هذا الجامع كان مهدا للمدينة، وتحوّل إلى معلم من معالمها، وما زال محتفظا بخصائصه المعمارية والفنية، والمتمثلة في عقوده، ومئذنته الفريدة في شكلها في هذه المدينة.
نقلا عن: لطيفة بورابة جامعة الجزائر 02، مسجد سيدي علي مبارك بمدينة القليعة (دراسة تاريخية وأثرية)، مجلة دفاتر البحوث العلمية، المجلد 01، العدد 02، ص 214-233، سنة 2013.























